أطفال العراق الضائعون المنسيون


الأطفال في الحياة هم كالورود في الحدائق الغنّاء، فهم يملؤون الدنيا بالبراءة واللعب والابتسامات النقية، وهم كالفراشات التي تطير بين الأزهار لتداعب أوراقها، ولتنشر الفرح والسرور في الروح والنفس، وهم كأسراب الحمام التي تتنقل في أرض الله الواسعة، وتحلّق عالياً كأنّها تبعث الأمل في نفوس القانطين.

الأطفال لا يعرفون إلاّ الحب الصافي الذي لا يشوبه الخداع والشوائب التي تملأ نفوس بعض الناس، وعلى الرغم من روحهم الطيبة، يكونون، مع الأسف الشديد، في بعض أرجاء الدنيا ضحية للغدر والقسوة والخيانة والعمالة وفقدان الضمير.

وأطفال العراق منذ الحصار الدولي عام 1991، يعانون من الجوع والأمراض الفتاكة، والإهمال المتعمد، وماكنة القتل مستمرة بنحرهم عبر الانفجارات والسرطانات التي غزت العراق منذ احتلاله عام 2003.

وفي يوم 20/6/2012، غادرت طائرة كاملة محملة بالأطفال العراقيين لجمهورية كرواتيا، والمفاجأة أنّ هؤلاء الأطفال لم يذهبوا للنزهة، أو للدراسة، بل جميعهم من المصابين بالأمراض السرطانية وسيتم علاجهم في كرواتيا! ولم تكشف حكومة المنطقة الخضراء عن أعدادهم الحقيقية!

وفي نهاية شهر حزيران الماضي، كشف مصدر طبي في محافظة بابل الجنوبية النقاب عن ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية بين الأطفال دون سن الخامسة من العمر خلال الفترة الممتدة بين عام 2005 وحتى اليوم، ولا سيما في مناطق شمال المحافظة، حيث سُجلت أكثر من (1089) حالة، توفي منها (721) حالة حتى الآن!

وفي يوم 23/5/2012، توصّل باحثون بريطانيون درسوا بيانات صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء العراقي إلى أنّ الأطفال العراقيين دون سن الخامسة في المناطق الأكثر عنفاً كانوا أقصر قامة بمقدار (0.8) سنتيمتراً عن نظرائهم في المناطق الأخرى. وحللت الدراسة طول الأطفال خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب على العراق، وأظهرت أنّ «التقزم» يمثّل مشكلة خطيرة بين أولئك الذين ولدوا في محافظات جنوب ووسط العراق، وأنّ النمو والتنمية خلال السنوات المبكرة من عمر الطفل يعدّ غاية في الأهمية؛ وذلك لأن الأطفال الذين تتوفر لهم تغذية جيدة تكون فرصتهم أكبر في أن يكونوا أكثر صحة وإنتاجاً وقدرة على التعلم في المستقبل.

وهذه الدراسة لم تشمل أطفال الفلوجة، مدينة السرطانات، والولادات المشوهة بسبب الأسلحة الأمريكية المحرمة دولياً، والتي استخدمت في معركتي الفلوجة الأولى والثانية.

هذا هو حال أطفال الداخل العراقي، وهذه الحقائق لا تشمل الأطفال الذين تناثرت أجسادهم الرقيقة بسبب التفجيرات المستمرة في عموم البلاد، بل هي تمثّل جانباً من الحال المخيف في البلاد.

أمّا أطفال الخارج، فمعاناتهم من نوع آخر، فهم منسيون من قبل الحكومات القابعة في المنطقة الخضراء، ومنهم من ولد وهو لا يعرف ماذا يعني له العراق، والبعض الآخر، لا يدري لماذا لا يرى علم بلاده يرفرف أمام عينيه وهو يقف في الطابور المدرسي، وفي ذات الوقت، فإنّ أهلهم يجدون صعوبة في توضيح الحقيقة المريرة المتعلقة بأسباب هجرتهم لبيوتهم الآمنة!

الإحصائيات غير الرسمية تشير إلى وجود ما بين (300) ألف إلى نصف مليون طفل عراقي في الخارج، من مجموع أعداد العراقيين في عموم بلدان العالم (أربعة ملايين مهجر)، بينما تذكر منظمة الطفولة العالمية «اليونيسيف» في تقريرها السنوي الذي صدر في بداية العام الحالي أنّه ومع استمرار أجواء الصراعات والعنف والخلافات السياسية داخل العراق، يواصل أكثر من (1.5) مليون عراقي التماس اللجوء في دول العالم المختلفة، بينهم أكثر من (400 ألف طفل).

أطفال العراق، المنسيون والضائعون والمهملون من قبل حكومة المنطقة الخضراء، ومن غالبية المنظمات الإنسانية، صابرون ويتحملون كل هذه الصعاب لأن العراقيين تخرجوا من مدرسة الصبر، والواقع المرير الذي خلفه الاحتلال الأمريكي، وهم رغم الهموم مليئون بالأمل الذي يجعل الغد أجمل من اليوم.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!