حواري مع الأكاديمي عبد الحسين شعبان


أكد الاكاديمي العراقي الدكتور ( عبد الحسين شعبان ) ان استعانة ما تسمى قوى المعارضة بجيش الاحتلال الذي قادته الادارة الامريكية عام 2003 للوصول إلى الحكم، كان احدى اكبر الكوارث الحقيقية التي حلّت بالعراق منذ

الحرب العراقية - الإيرانية والحصار الجائر الذي فرضته امريكا عام 1990باسم الامم المتحدة .. موضحا ان كارثة غزو العراق كانت بحجم كارثة فلسطين أو ما بعدها.

واوضح ( شعبان ) في حوار صحفي اجراه معه مراسل الهيئة نت في العاصمة الاردنية عمان ( جاسم الشمري ) انه لا يمكن التعاون مع قوى أجنبية، بحجة التخلّص من نظام دكتاتوري، كما ان الديمقراطية لا يمكن قيامها اعتماداً على الدبابات والاحتلال العسكري، وان أية ديمقراطية بدون الوطنية، ستؤدي إلى الاستبداد والتسلّط والاستئثار إن عاجلاً أم آجلاً، كما تقود الى القبول بوصاية الأجنبي والرضوخ لمشيئته ومقدراته والسكوت عن نهب ثروات البلاد .. لافتا الانتباه الى ان الوصول إلى السلطة وفقا للمخططات الاجنبية، يعد الفصل الأكثر مأسوية من الصراع بين الحاكم والمحكوم، كما أن تشبّث الحاكم بموقعه وتصفية أية معارضة له سيدفع الاخر الى التفتيش عن حلول قد لا تكون مقبولة، لكنه سيجد لها مبررات مؤقتة لقمع ذلك الحاكم المستبد.


ووصف ( شعبان ) ما يسمى الدستور في العراق الذي ساهمت ادارة الاحتلال الامريكي في صياغته، بانه خزّان ألغام يمكن أن ينفجر في اية لحظة، كما عدّ الطائفية المقيتة لوثة تخلّف وبدائية، والمادة ( 4 ارهاب ) التي تستخدمها الاجهزة الحكومية ضد المعتقلين العراقيين الابرياء بانها تهمة جاهزة، فيما اكد بان هناك رائحة كريهة تخرج من ما تسمى المنطقة الخضراء .. مشيرا الى ان ما يسمى بمشروع الفيدرالية الرامي الى تقسيم العراق على اسس طائفية وعرقية يختلف عن مفهومه الحقيقي الذي تعمل به الدول المتطورة .

وشدد شعبان على ان ما اقدم عليه الاحتلال الغاشم من حلّ لمؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة ولا سيما الجيش وقوى الأمن الداخلي وحرس الحدود وشرطة النجدة وغيرها، يعد عملا باطلا وغير مشروع ويتناقض مع جميع القوانين والاعراف الدولية، لانه عرّض هذا البلد للانفلات الامني والفوضى .. موضحا ان تشكيل ما يسمى مجلس الحكم بالطريقة التي حددها ( بول بريمر ) أدى إلى تكريس المحاصصة الطائفيةوالاثنية، الأمر الذي دفع البلاد في دوامة من العنف والتشظي والاحتراب، لا يزال العراقيون يدفعون ثمنها الباهض بالرغم من مرور اكثر من تسع سنوات على الاحتلال السافر.

وخلص الدكتور ( عبد الحسين شعبان ) الى القول : كل ما تمنته أمريكا لاحقاً، هو الاستقرار والانسحاب الآمن السريع من العراق بعد الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدتها بفعل التحدي الشعبي الكبير الذي واجهته، والمقاومة السلمية والمدنية، فضلاً عن المسلحة، التي أوصلت قتلاها إلى أكثر من 4800 جندي ونحو 26 ألف جريح، كما زادت خسائرها المادية عن تريليون دولار حتى نهاية عام 2008 وقد يصل إلى ضعفي هذا الرقم بإتمام عملية انسحاب قواتها من هذا البلد .. مؤكدا ان ضغط الرأي العام الأمريكي والدولي كان أحد العوامل المهمة في تعجيل الانسحاب، فضلاً عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ضربت امريكا بالصميم وأدت إلى انهيار مصارف كبرى وشركات تأمين عملاقة.

وفي ما يأتي نص الحوار :
* الهيئة نت : من هو عبد الحسين شعبان بنظر عبد الحسين شعبان؟

// شعبان: حالم، بل مستغرق في أحلامه، وكاتب لا يزال يكتب بشغف، مشاغب تستهويه المشاغلات الفكرية، عالمه فسيح لأنه يسبح في فضاءات الحرية التي لا يريد أن يتنازل عنها لأي سبب كان، ينتمي إلى العقل وقيم السلام واللاعنف ويميل إلى التسامح، لا يريد أن يرضي أحداً، لأن النقد سلاحه المفضل، ولم يوفّر ذلك مع نفسه أيضاً، يضع مسافة بينه وبين الآخرين حتى وإن كانوا من أقرب المقرّبين.

*الهيئة نت : هل أنت معارض دائم؟

// شعبان: نعم ولا: وأقول نعم لأنني ضد الاستبداد ومعارض لكل دكتاتورية، ولأن معارضتي فكرية وثقافية، فالاختلاف بيني وبين المعارضين واضح وجلي، فقد كان بعضهم ضد نظام صدام حسين، لكنهم ليسوا ضد الاستبداد في حين أنني كنت ضد الاستبداد، بكل أنواعه وأشكاله سواءً كان نظام صدام حسين أو نظام المحاصصة الطائفية أو غيره، لقد بلع البعض لسانه يوم اقترب من السلطة في ظل الاحتلال، في حين أنني بقيت ضد الاستبداد وبالطبع ضد الاحتلال، المسألة بالنسبة لي جوهرية تتعلق بصميم حقوق الإنسان وحرياته، ولا علاقة لها بهذا النظام أو ذاك، وهناك فارق آخر، فأنا عندما أتعاطى السياسة، فمن موقع فكري وعبر وسائل ثقافية، ولأهداف حقوقية وإنسانية بالدرجة الأولى، في حين هناك من يتعاطى السياسة بهدف قلب نظام حكم ليحلّ محله، ولا يهم بعد ذلك نوع النظام وشكله وممارساته، التي سيجد المبررات والذرائع للدفاع عنه.
*الهيئة نت : كنت أحد قادة المعارضة في الثمانينيات ومطلع التسعينيات.. أين أنت الآن؟

// شعبان: تلك مرحلة انتهت، فقد كنت حينها أعمل في صفوف الحزب الشيوعي واختلفت، ومعي مجموعة غير قليلة من المثقفين والقياديين مع المجموعة الرسمية المهيمنة عليه، ولاسيما بشأن موقفها " المائع" من الحرب العراقية - الإيرانية، ومن المشروع الحربي والسياسي الإيراني، وأعلنت ذلك صراحة وشكّلنا كتلة متميّزة، باسم " المنبر" وأصدرنا صحيفة بالاسم ذاته، وكان لي شرف الاشراف عليها وتحريرها.

وعندما اتجهت المعارضة الرسمية إلى تأييد الحصار الدولي الجائر ونظام العقوبات والتعويل على المشروع الدولي، اتّخذت رأياً معاكساً، واستقلت من موقعي كأمين سر المعارضة في المؤتمر الوطني العراقي الذي تأسس في فيينا – صلاح الدين (أواخر عام 1992) وكان ذلك في العام 1993 بعد عدد من المذكرات والاعتراضات التي كنت قد قدّمتها في حينها.

كانت المعارضة لنظام الاستبداد أمرٌ مشرف وشجاعة كبيرة، لاسيما إذا كانت معارضة وطنية، لكن الكثير من المعارضين في تلك المرحلة أضاعوا بوصلتهم، وقد يخطأ المرء، لكن عليه أن يعالج ذلك بالنقد وإعادة النظر.

كان أحد أركان النظام السابق وقد التقيت به عن طريق الصدفة يقول " أنتم أخطر علينا من الآخرين"، قلت له لماذا أليس موقفنا وطنياً ومشرّفاً من الحصار الدولي وكذلك من التعويل على القوى الخارجية، ولاسيما الولايات المتحدة، وكذلك موقفنا المعروف من الصهيونية ومن "إسرائيل"، قال لهذه الأسباب بالضبط أنتم أكثر خطراً علينا، لأنكم تنافسوننا، ونحن بإمكاننا تشخيص ارتباطات الآخرين، فمنهم من هو مع الأجهزة الإيرانية أو أن ولاءه هناك بحكم انتمائه العقائدي وربما المذهبي، وبعضهم كانوا منشقّين عنّا وهم قلّة في سوريا، أما عملاء الـ( C I A ) والموساد، فأمرهم أسهل من غيرهم وهم مرفوضون شعبياً، اما أنتم فأجدر منّا ليس بالحديث عن معاناة العراقيين بسبب التدخلات الخارجية والحصار الدولي، بل في الحديث عن حالة حقوق الإنسان في العراق وقضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الأكراد والتمييز الطائفي، الأمر الذي لا نجاريكم فيه، لهذا فأنتم حسب نظر " القيادة" أخطر علينا.

*الهيئة نت : هل تعتقد أن المعارضة العراقية السابقة كانت معارضة صحية؟

// شعبان: أي معارضة، لاسيما إذا كانت مدنية وسلمية فهي حالة صحية، لكن النظام السابق لم يسمح بذلك، الأمر الذي اضطر أعداداً كبيرة من المعارضين اللجوء إلى الخارج، وفي البداية لدول الجوار وفيما بعد للمنافي البعيدة، وبالتدريج أخذت المعارضة تتآكل، لأنها تعمل في غير بيئتها وبسبب الضغوط التي تتعرض لها، ستضطر الكثير من قياداتها وتعويضاً عن العجز والفشل إلى المساومات وتقديم التنازلات، فضلاً عن الاختراقات.

وقد ازدادت أعداد المعارضين بسبب الحرب العراقية - الإيرانية، التي لم يكن لها مبرر على الإطلاق والتي دامت ثماني سنوات ( 1980- 1988 ) وارتفعت النسبة بصورة كبيرة بعد مغامرة غزو الكويت في العام 1990 وما بعدها خلال فترة حرب قوات التحالف ضد العراق عام 1991 وفيما بعد خلال الحصار الدولي ( 1991- 2003) .

وخلال تلك الفترة استغلّت بعض القوى علاقاتها الخارجية وارتباطاتها مع جهات أجنبية لتتسلق على متن المعارضة، وتتربع في الصفوف الأمامية، ولاسيما في ظل الدعم الدولي والاختراقات الفكرية والسياسية والشخصية. من جهة أخرى اتجهت قاعدة الحكم إلى الضيق أكثر فأكثر وأُخضع حزب البعث ذاته لأجهزة المخابرات، وحددت سلطة صدام حسين تاريخاً معيناً (العام 1980) للقضاء على الحزب الشيوعي، وأصدرت في 31 آذار / مارس عام 1980، قراراً يقضي بإعدام أعضاء حزب الدعوة العميل ( كما ورد في القرار) بأثر رجعي إنْ لم يتم الإبلاغ عن انتمائهم السابق.

إذا كانت المعارضة حالة صحية، فإن البقاء طويلاً في الخارج يخضعها لمصالح القوى والدول المتنفّذة (الإسلامية لإيران في الغالب) والعروبية واليسارية (لسوريا واليمن وللبلدان الاشتراكية سابقاً لاسيما بالنسبة للشيوعيين) وعندما انهارت الكتلة الاشتراكية وانتقلت أعداداً من المعارضين من كل بلدان الجوار والبلدان الاشتراكية إلى أوروبا الغربية دخل عنصر جديد بإخضاع أجندتها لتلك البلدان، وهو ما شجّع عليه وهيأ له من كان على علاقة مسبقة بهذه الجهات، التي أخذ بعضها يتبارى في كسب ودها ورضاها والحصول على امتيازاتها. وهذا هو واقع الحال.

والمعارضة اليوم إذا طال بها البقاء ستتعرض هي الأخرى إلى تداخلات وضغوط واختراقات من الخارج، من دول الجوار، إضافة إلى القوى الكبرى، وبعضها حاصل بالفعل، الأمر الذي لا يشجّع على قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة أو مؤثرة، خصوصاً في المنافي.
 

*الهيئة نت : كيف تنظر الى استعانة ما تسمى قوى المعارضة بالجيوش الغازية الأمريكية وغيرها للوصول إلى الحكم؟

// شعبان: كان ذلك كارثة حقيقية من الكوارث الكبرى التي حلّت بالعراق بعد كارثة الحرب العراقية - الإيرانية وكارثة الحصار الدولي الجائر ونظام العقوبات اللاإنساني، ولعل تلك الكارثة هي بحجم كارثة فلسطين أو ما بعدها.

لا يمكن الزعم أن التعاون مع قوى أجنبية، لا تريد الخير للعراق ولأهله ولشعبه، بحجة التخلّص من نظام دكتاتوري، كما لا يمكن لنظام دكتاتوري بحجّة التصدي للمخططات الخارجية قتل شعبه. الوطنية لوحدها تقود إلى الدكتاتورية إذا ما تفرّدت بالسلطة، وكل دكتاتورية هيّ عدوّة للشعب ولطموحاته وحرياته وحقوقه، وبهذا المعنى فالوطنية دون الديمقراطية ستقود إلى الاستبداد والتسلّط والاستئثار إن عاجلاً أو آجلاً، والديمقراطية لا يمكن قيامها اعتماداً على الدبابات الخارجية والاحتلال العسكري، وأية ديمقراطية دون الوطنية، ستؤدي إلى الإستتباع وقبول وصاية الأجنبي والرضوخ لمشيئته ومقدراته وقبول نهب ثروات البلاد.

إن من حق كل مجموعة سياسية الوصول إلى الحكم، وستكون شرعيتها واجبة الاحترام إذا كان ذلك عن طريق صندوق الاقتراع، في إطار ما سمّي بالشرعية الدستورية، لاسيما بعد أن تآكلت وأثبتت عجزها ما سمّي بالشرعية الثورية التي انتهى حظها، واستنفذ زمنها. لكن الوصول إلى السلطة طبقاً لمخططات أجنبية، سيكون الفصل الأكثر مأسوية من الصراع بين الحاكم والمحكوم، كما أن تشبّث الحاكم بمواقعه وتصفية أية معارضة سيدفع الأخير للتفتيش عن حلول قد لا تكون مقبولة أو حتى أن بعضها لا يرتضيها، لكنه سيجد لها مبررات مؤقتة لعجزه من جهة ولقمع الحاكم من جهة أخرى، وهي معادلة صعبة وقاسية، لكن بوصلة الوطنية لا ينبغي أن تضيع والرؤية لا يمكن أن تتبدد أو تتضبب في ظل احتدام الصراع.

*الهيئة نت : كيف تنظر للعراق بعد عام 2003؟

// شعبان: إنه بلد محتل على نحو لا يتفق مع ما يسمى بالشرعية الدولية، فضلاً عن قواعد القانون الدولي، والولايات المتحدة التي لم تحصل على تفويض من الأمم المتحدة لشن الحرب على العراق، سعت بعد احتلاله لشرعنة الاحتلال بإصدار القرار 1483 في 22 أيار / مايو 2003 من مجلس الأمن الدولي الذي اعتبر العراق بلداً محتلاً، والقوات الأمريكية والبريطانية هما بلدان محتلاّن له، وينطبق على تعاملهما مع العراق والعراقيين اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها عام 1977.

ما قام به الاحتلال من حلّ الدولة والعديد من أجهزتها لاسيما القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وحرس الحدود وشرطة النجدة وغيرها، هو عمل غير شرعي وباطل قانونياً، وهو الذي عرّض البلاد للانفلات والفوضى والإرهاب. كما أن تشكيل مجلس الحكم بالطريقة التي حددها بول بريمر أدى إلى تكريس المحاصصة الطائفية، المذهبية والإثنية فقد أعطى لشيعة الحكم 13 مقعداً ولسنّته 5 مقاعد وللكرد 5 مقاعد ومقعد واحد للتركمان وآخر للكلدوآشوريين، وهو الأمر الذي دفع البلاد في دوامة من العنف والتشظي والاحتراب، لا نزال ندفع ثمنها باهظاً على الرغم من مرور تسع سنوات.

*الهيئة نت : هل حققت أمريكا الديمقراطية في العراق ؟

// شعبان: أظن أنها أقلعت عن ذلك منذ زمن، فالديمقراطية لا تعني إجراء انتخابات، إنها تعني حكم القانون واستقلال القضاء وفصل السلطات وإقرار التعددية والتنوّع واحترام حقوق الإنسان مبادئ المواطنة والمساواة، وكل تلك مفردات غائبة، ولعل الدستور الدائم الذي هو امتداد للدستور المؤقت (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) كان سبباً في الكثير من المشكلات، لأنه احتوى على طائفة من الألغام التي لا يعرف المرء متى تنفجر.

ومع أن باب الحقوق والحريات احتوى على نصوص وقواعد أفضل من جميع الدساتير السابقة بما فيها الكثير من الدساتير العربية، لكنه ظلّ معلقاً والدستور مجمّداّ، خصوصاً وأن هناك نحو 50 مادة تنتظر إلى أن تصبح نافذة المفعول بإصدار قانون.

وبعد انكشاف زيف وفريّة وجود أسلحة دمار شامل وبطلان علاقة العراق بالإرهاب الدولي، وهو ما رددته المزاعم الأمريكية كمبررات لاحتلال العراق، انكشف أيضاً زعم واشنطن بخصوص الديمقراطية المحمولة جوّاً، وعلى أنغام سمفونيات القصف، وفيما بعد الارهاب والتفجير والمفخخات وغيرها، وزاد الأمر افتضاحاً ما تم كشفه لما عُرف بفضيحة سجن أبو غريب اللاأخلاقية، وكذلك بعض السجون السرية الطائرة والسجون السرّية العائمة.

كل ما تمنته أمريكا لاحقاً، هو الاستقرار والانسحاب الآمن السريع بعد الخسائر المادية والمعنوية بفعل التحدي الشعبي الكبير الذي واجهته، والمقاومة السلمية والمدنية، فضلاً عن المسلحة، تلك التي أوصلت قتلاها إلى أكثر من 4800 قتيل ونحو 26 ألف جريح وزادت خسائرها عن تريليون دولار حتى نهاية العام 2008 وقد يصل إلى ضعفين هذا الرقم بإتمام عملية الانسحاب، ولعل ضغط الرأي العام الأمريكي والدولي كان أحد العوامل المهمة في التعجيل بالانسحاب، فضلاً عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ضربتها بالصميم وأدت إلى انهيار مصارف كبرى وشركات تأمين عملاقة.

 

* الهيئة نت : هل الصراع في العراق هو صراع حزبي أم طائفي أم عرقي أم فكري أم سياسي أم ماذا ؟

// شعبان: الصراع هو كل ذلك، لكن الأغلب الأعم اتخذ بُعداً طائفياً، بين أمراء الطوائف من شيعة الحكم المهيمنين إلى سنتّه المتمردين أو الممانعين، وهو صراع اثني في الوقت نفسه، خصوصاً بشأن المناطق المتنازع عليها، ونعني بها كركوك والمادة 140 والمناطق الأخرى بين العرب والتركمان من جهة والكرد من جهة ثانية، وهو صراع حزبي حيث التنافس بين المجموعات والكتل الحزبية، كما أنه صراع سياسي وفكري بين قوى أيّدت الاحتلال وقوى عارضته، ولعلّ حالة التشظي تلك والتنافر دفعت بالهويات الفرعية إلى الصعود إلى الواجهة على حساب الهوية الوطنية الجامعة.


*الهيئة نت : هل تتوقع نشوب حرب أهلية في العراق؟

// شعبان: كان العراق على مشارفها، بل في مدخلها عامي ( 2006 و 2007 )، ولاسيما بعد تفجير مرقدي الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، وردود الأفعال العشوائية والشحن الطائفي والقتل على الهوية ودخول جماعات إرهابية مثل تنظيمات القاعدة وغيرها على الخط، الأمر الذي أدّى إلى تهجير ونزوح مئات الآلاف من بيوتهم ومناطق سكنهم وكذلك لجوء مئات الآلاف إلى الخارج في أوسع موجة عرفها العراق.

ومع أن نار الحرب الأهلية خفتت، لكنها يمكن أن تشتعل، لأن مسبباتها وعوامل اندلاعها لا تزال مستمرة، بل تختبئ أحياناً تحت الرماد، ويمكن تحريكها مع الأزمات السياسية، ولاسيما في ظل التوترات التي شهدتها البلاد.

إن واحداً من عوامل تطويق الحرب الأهلية وإبعاد شرورها، يكمن في تحريم الطائفية والمعاقبة عليها، وقد سبق لي أن اقترحت ذلك في مشروع قانون لتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة، يعاقب بأشد العقوبات كل من يدعو أو يروّج أو يمارس أو يتستر عليها، لاسيما وأن الجميع يقولون أنهم ضد الطائفية، ويريدون أن يغسلوا أيديهم منها، ولكن المهم أن يتم غسل العقول. وكنت قد دعوت إلى ذلك في كتابي " جدل الهويات في العراق"، ويحتاج الأمر إلى نشر ثقافة المواطنة والمساواة ونبذ الطائفية وتشجيع المبادرات العابرة للطوائف والإثنيات، لتكوين بيئة حاضنة ضد الطائفية والحرب الأهلية، سداها ولحمتها التوجه الوطني والتوافق الاجتماعي.

*الهيئة نت : هل الغاية تبرر الوسيلة في سياسة العراق اليوم؟

// شعبان: تلك سياسة ميكافيلية التي تقول " الغاية تبرر الوسيلة" وللأسف فإن هذه السياسة كانت ولا تزال متّبعة في العراق، فضحايا التعذيب يمارسونه والمجتثون يجتثون والمطاردون يطاردون والمنفيون ينفون، لا أحد يتعلم من تجارب غيره، وكلّ من يصبح في السلطة يصاب بالصمم، حتى إذا أزيح عنها، يبدأ بإبداء الندم وأحياناً تأخذه العزّة بالإثم فيتحدث عن عهده المنير.

*الهيئة نت : ماذا تعني لك المصطلحات الآتية من خلال قراءتك للمشهد العراقي؟ ( الوطنية ـ الطائفية ـ الفيدرالية ـ الدستور ـ المنطقة الخضراء ـ المادة 4 ارهاب )

// شعبان: أ- الوطنية- صفة أصيلة بالإنسان السوي

ب- الطائفية- لوثة تخلّف وبدائية

ج- الفيدرالية- نظام حكم متطوّر يحتاج إلى من يتفهمه ويطبّقه بصورة صحيحة، وهو يختلف عن المفهوم الدارج الذي ينصرف إلى التقسيم.

د- الدستور في العراق- خزّان ألغام يمكن أن ينفجر في كل لحظة.

هـ - المنطقة الخضراء- رائحتها كريهة

و- المادة (4) ارهاب- تهمة جاهزة أحياناً وتنام وتستيقظ.

 

*الهيئة نت : كيف تقيّم أحزاب المعارضة خلال مرحلة ما قبل عام 2003 وما بعده؟

// شعبان: أ ـ حزب الدعوة: تأسس ردًّا على المدّ الشيوعي بعد الثورة العام 1958، وكبر اسمه بعد ملاحقة السلطة البعثية وتحديداً بعد الثورة الإيرانية عام 1979، مال الى التعاون مع الأمريكان في نهاية التسعينيات وكان مكانه محفوظاً بعد الاحتلال، وظل يحتفظ بعلاقته الإيرانية الإيجابية.

ب ـ المجلس الإسلامي الأعلى: قبل الاحتلال كان ائتلافاً ثم أصبح اتجاهاً بقيادة السيد محمد باقر الحكيم، وحظي بدعم إيراني واسع، تحوّل بعد الاحتلال، لاسيما بعد القرب من مؤسسة الحكم والامتيازات التي لديه إلى قوة كبرى بوجود فيلق بدر أو بدونه لاحقاً، يحاول السيد عمار الحكيم أن يعطي للمجلس وجهاً آخر أكثر انفتاحاً ومرونة .

ج- الحزب الشيوعي العراقي: أعرق وأكثر الأحزاب تضحية، وتعرّض إلى تنكيل مستمر، لكن مواقف قيادته أضعفت وطنيته، وإذا كان صدام حسين قد شنّ حملة لتصفية الحزب، فإن الوجه الآخر لهذه الحملة قاده قياديون تصفويون، فأجهزوا على القسم المتبقي من الحزب، وأصعب ما عليّ عندما كنت أرى قيادياً شيوعياً يمجّد الاحتلال ويتشبث بأذيال بريمر وجماعة مجلس الحكم.

د- الاتحاد الوطني الكردستاني: حزب تأسس في دمشق وضم نخبة من المثقفين الكرد، لكن همّه وشغله الشاغل ظلّ إلا يتغلّب عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني، تعاون مع إيران ضد حليفه في منافسته المحمومة.

هـ- الحزب الديمقراطي الكردستاني: يريد تثبيت زعامته للشعب الكردي بكل الوسائل، تعاون مع صدام حسين لطرد حليفه الطالباني والاتحاد الوطني الكردستاني من أربيل في العام 1996.

و- الحزب الإسلامي العراقي: تحوّل من مناوئة الاحتلال وضد غزو العراق، إلى مؤيد له بتبرير سياسة الأمر الواقع.


*الهيئة نت : كيف تنظر إلى المستقبل القريب والمتوسط؟

// شعبان: المراوحة وعدم التقدّم إلا بحدود يسيرة، والانتخابات القادمة بوجود مثل القانون الحالي للانتخابات، وتجميد الدستور فعلياً، ستؤدي إلى نتائج مشابهة، أي الاستمرار في الدوّامة.

 

*الهيئة نت : كيف تقيمون أداء هيئة علماء المسلمين في العراق؟

// شعبان: إذا كانت الهيئة سياسية فالتقييم سيكون سياسياً، لمواقفها ضد العملية السياسية وبالأساس ضد الاحتلال، أما إذا كانت الهيئة " لعلماء المسلمين" دينية، فالأمر شأن ديني، لاسيما إذا اقتصر على علماء السنّة.

وبالمناسبة إذا أريد للعراق التحرر من وطأة الاصطفافات المذهبية والطائفية، فلا بدّ من النص في قانون تشكيل الأحزاب، على إبعاد الدين عن السياسة، أي عدم تسييس الدين أو تديين السياسة، لأن ذلك سيلحق ضرراً بالاثنين، ولن يكون في ظروف العراق الحالية إلا طائفياً، ذلك أن نبذ الطائفية وتبيان شرورها ومساوئها، لا يتم إلا بتحريمها، وما هو ضد الطائفية لا ينبغي أن يكون من موقع طائفي.

وهنا لا بدّ من التمييز بين الطائفة والطائفية، فالأولى تكوين طبيعي وتاريخي وله عادات وطقوس، في حين أن الثانية تريد التسيّد وتزعم بأفضلياتها على حساب الآخر، وهو ما يؤدي إلى نشر الطائفية وإدامة عوامل الصراع.

ولعل في مجتمعنا العراقي وفي ظروف التخلف هناك حسب العالم الاجتماعي الكبير علي الوردي "طائفيون بلا دين"، والمسلم الصحيح لا يمكن أن يكون طائفياً، لأنه يحب لنفسه ما يحب لغيره، ويحترم الكرامة الانسانية والتنوّع والاختلاف.

*الهيئة نت : شكرا، لكم ودمتم بخير.

// شعبان: شكراً لكم.

يشار الى ان الباحث والاكاديمي الدكتور ( عبد الحسين شعبان ) المولود في النجف عام 1945 هو أستاذ القانون الدولي ويدرس حالياً مادة اللاعنف وحقوق الإنسان في جامعة (أونور) بالعاصمة اللبنانية بيروت، وكان قد تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بغداد، ودرس العلاقات الدولية والقانون في براغ، وحصل على درجتي الماجستير من جامعة (17 نوفمبر ) وجامعة (جارلس)، كما حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة القانون من أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية، وله اكثر من ( 50 ) كتاباً في قضايا الفكر والقانون والسياسة والأدب والثقافة والنقد، وهو الان استشاري في عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية والحقوقية والإعلامية .







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى