برلمان الجدار الكونكريتي



في المرحلة التي سبقت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة حاول المرشحون كسب ود الناس بأساليب معقولة ومقبولة أحياناً، وشاذة أحياناً أخرى، ومن الأساليب الهمجية توزيعهم للبطانيات والمدافئ والمراوح والأموال؛ لشراء أصوات الفقراء والمعوزين الذين لا يملكون قوت يومهم، وسمعنا – حينها- أن العشرات من المرشحين قد شاركوا الناس أفراحهم وأتراحهم، وكل هذه الفعاليات كانت الغاية من وراءها كسب رضا الناخب؛ وبالتالي الفوز بالمقعد البرلماني المخصص لهذه المنطقة، او تلك.

المسؤول الناجح هو الذي يولد من رحم المعاناة، وهو ابن الفقراء والمعوزين والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة. وهو الذي لا ينقلب على نفسه وجماهيره، ولا يعرف الانفصام السياسي بين مرحلتي ما قبل الانتخابات وما بعدها.

أعضاء البرلمان العراقي الحالي، وبمجرد دخولهم بوابة البرلمان لأول مرة، تناسوا تلك الوعود المعسولة، وما عادوا يفكرون إلا بأنفسهم، وبعد أشهر قليلة أصبحوا من الأثرياء؛ بسبب الرواتب والمخصصات الخيالية التي يحصلون عليها، وتشهد بذلك مدن اسطنبول وعمان ودمشق ودبي؛ حيث يتملكون فيها أرقى الفلل والشقق والقصور الفاخرة.

اليوم في العراق، وفي ظل الأزمة السياسية المستمرة قرر مجلس النواب الغاء جلسته القادمة بسبب قرار الحكومة برفع الحواجز الكونكريتية المحيطة بمبنى البرلمان، حيث أعلن مقرر المجلس محمد الخالدي، يوم 19/6/2012، أن رئاسة البرلمان أجلت جلسة يوم الخميس 21/6/2012، إلى يوم السبت لحين إعادة كافة الحواجز الكونكريتية التي تمت إزالتها من محيط المبنى.

حكومة المالكي، بررت هذا التصرف، الذي أظنه يهدف لغايات لا يعرف مداها إلا الله والراسخون في السياسة العراقية القاتلة؛ بأنه بداية لإزالة كافة الحواجز الكونكريتية في المنطقة الخضراء.

والقرار الحكومي اتخذ يوم 13 حزيران 2012، وفي ذات اليوم شرعت القوى الأمنية برفع كافة الحواجز الأسمنتية حول مبنى البرلمان بمعدل (4) قطع يومياً، وقرار رفع الحواجز جاء بعد تشاور القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء نوري المالكي) وكبار قيادات الأمن والدفاع، وسيشمل كل مؤسسات المنطقة الخضراء، ولن يقتصر على مبنى البرلمان.

والأمر لا يمكن تقبله بهذه السهولة الظاهرة للعيان؛ وذلك لأن خبيراً بشؤون التنظيمات المسلحة، رفض الافصاح عن اسمه، لأسباب شخصية، حذر- في ذات اليوم الذي اتخذت فيه الحكومة قراراها بإزالة الحواجز الكونكريتية- من هجمات محتملة على مناطق محددة، ومنها بناية البرلمان، ومحافظات النجف وكربلاء وديالى والانبار؛ وعليه فان الترابط يبدو واضحاً بين هذا الإجراء والتحذير الأمني، الذي ربما تهدف الحكومة من وراءه إلى زعزعة الأوضاع العامة في البلاد؛ لإجهاض، أو تأخير مشروع سحب الثقة عنها.

قادة العملية السياسية يضرب بعضهم بعضاً بكل السبل، ومن ذلك ملفات الاتهام الحقيقية والمفبركة، والسيارات المفخخة، التي تفخخ " ديمقراطياً" داخل المنطقة الخضراء، وآخرها السيارة التي انفجرت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قرب مقر المجلس في المنطقة الخضراء، وأسفرت عن جرحى بينهم النائب عن التحالف الكردستاني مؤيد الطيب. وعلى أثر التفجير شُكلت لجنة تحقيقية للوقوف على أسبابه، لكنها لم تكشف عن نتائج عملها حتى الساعة.

نظرية الغايات المجهولة، من وراء بعض الإجراءات القانونية، أكدتها لجنة الأمن والدفاع البرلمانية التي وصفت التصرف الحكومي بـ"السياسي"، مؤكدة أن القضايا السياسية باتت تنعكس على الوضع الأمني في البلاد بشكل واضح، وحملت مكتب القائد العام للقوات المسلحة مسؤولية أي استهداف للبرلمان!

الممثلون" الشرعيون" للعراقيين، يخافون على حياتهم من هجمات مفترضة، وهم في ذات الوقت في أكثر المناطق العراقية تحصناً، حيث السفارتين الأمريكية والبريطانية ورئاسة الحكومة!، فماذا يقول العراقيون، الذين يخرجون من بيوتهم في كل يوم ولا يتوقعون أن يعودوا إليها سالمين؟!

فأين ذهبت تلك الروح الممزوجة مع الجماهير، وأين ولت وعودكم بالعيش مع الجماهير ومن أجلها، أيها البرلمانيون؟!

خلاصة القول إن البرلمان العراقي سواء عقدت جلساته، أم لم تعقد فانه لم – ولن- يقدم شيئاً يذكر للعراقيين، وهذا ما عرفناه عبر سنوات انعقاده الماضية!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى