إرهابيون أم وطنيون؟!



ضاعت الموازين في العراق الجديد، ولم نعد نعرف مَنْ هو الإرهابي، ومَنْ هو الوطني؟! فالإرهابيون بنظر البعض هم الذين وقفوا ضد المحتل وأعوانه، والوطنيون هم الذين صفقوا للمحتل واصطفوا معه!

وهذا لا يعني أن منظومة القيم والمبادئ قد ضاعت في العراقيين، لكن أنا أقصد بكلامي أغلب ساسة العملية السياسية، الذين كانوا -ومازالوا- يحاولون خداع العراقيين؛ لأن غالبية هؤلاء الساسة قد انقلبت لديهم هذه المفاهيم والقيم، وهم يُسيرونها وفقاً لما تتطلبه المرحلة، أو الأهداف الحزبية والطائفية، وحتى الشخصية.

والواقع أن الإرهابي هو كل من سفك دماً عراقياً، سواء أكان أجنبياً محتلاً أم عراقياً لا يعرف الله، وليس لديه ذرة من ضمير، فكل من يستبيح الدم العراقي فهو من الإرهابيين، شاء من شاء، وأبى من أبى!

هذا الخلط في المفاهيم قاد إلى تضارب في المواقف، ومن بين صور التناقض والفوضى الخلاقة في المواقف، الهادفة إلى سحب البساط من تحت أقدام خصوم رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي، وأيضاً لإشغال الرأي العام العراقي عن حقيقة الخلاف الجاري في البلاد اليوم، أقامت جماعة عصائب الحق في يوم 4/6/2012 استعراضاً عسكرياً ببغداد، بحضور ممثل التيار الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي.

وعصائب أهل الحق -التي يقودها قيس الخزعلي- إحدى الجماعات المنشقة عن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وقد نسب إليها العديد من الاغتيالات، وتدعي أنها قاومت الاحتلال الأمريكي.

وخلال كلمته في الاستعراض، انتقد قيس الخزعلي الأمين العام للعصائب الدعوات الرامية إلى سحب الثقة عن حكومة المالكي، داعياً الفرقاء السياسيين إلى العمل على إجراء تعديلات دستورية.

وسبق لحكومة المالكي، المشاركة في الاستعراض، أن أعلنت في 24 نيسان/ أبريل 2011، وطبقا للمتحدث الرسمي باسم وزارة المصالحة الوطنية، أن «عصائب أهل الحق باتت ضمن المجاميع المسلحة المحظور التفاوض معها بشكل نهائي؛ بسبب قيامها بعمليات «إرهابية» استهدفت المواطنين والقوات الأمنية العراقية».

ممثل تيار المالكي في الاستعراض كمال الساعدي، كشف في كلمته عن «وجود مخطط بقيادة ثلاثية (سعودية قطرية تركية) لإزاحة المالكي أولاً، ثم تفكيك التحالف الوطني لتذهب رئاسة الوزراء إلى الجواسيس؛ ليتم تصفية المخلصين، والسير في جنازاتهم بعد اغتيالهم بالمفخخات» -على حد قوله!-.

وكان مقتدى الصدر قد شن هجوماً عنيفاً على العصائب، واتهمهم في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2011 بأنهم مجموعة «قتلة، لا دين لهم»، وأنهم عشاق الكراسي، ومن تبعهم فهو منهم، كما اتهمهم صراحة: بـ»قتل القيادي في التيار الصدري صالح العكيلي في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2008، وكذلك قتل عناصر من الجيش والشرطة في أوقات سابقة».

فكيف تتحالف كتلة دولة القانون التي يترأسها نوري المالكي مع هذه الجماعة التي اعتبرها قائدهم السابق مقتدى الصدر مجموعة من القتلة؟! واعتبرتها من المجاميع المحظورة؟! وما هي المسوغات التي سنسمعها في قابل الأيام بخصوص هذا التحالف؟!

هذا الاستعراض جزء من مهزلة التناقضات الجارية على الساحة العراقية، حيث الكل يدعي الوطنية، والكل يدعي الحرص على العراق، والكل يدعي الموت من أجل ترابه، وهذا ما أقسم عليه جميع الساسة؛ وفقاً للدستور الذي سيكون سبباً لتدمير وتخريب العراق، عبر الكثير من مواده الملغومة بالدمار والتقسيم والفدرلة!

أغلب هؤلاء الساسة على استعداد للتحالف مع الشيطان؛ من أجل تحقيق مكاسبهم الحزبية والشخصية الضيقة!

الوطنية هي إخلاص وتضحية وعمل، لقد سئمت الجماهير العراقية الشعارات الفارغة، نحن بحاجة إلى عمل، ولا شيء غير العمل، منذ تسع سنوات ونحن نسمع نفس النغمات، ونشاهد الوجوه ذاتها، ولكننا لم نحصد شيئاً من وعودهم التي جعلت من العراق جنة الله في الأرض، لكنه في الحقيقة اليوم بلاد الخراب والفساد والقتل والاعتقال!

هذه التناقضات من أكبر أسباب الخراب والفساد في بلاد الرافدين؛ لأن القيادي الناجح هو الذي يطلع أبناء شعبه على الحقيقة كيفما كانت، والتقلب في المواقف ليس من السياسة الحكيمة بشي؛ لأن المواقف المتغيرة والمتناقضة تؤكد أن أصحابها لا يملكون أي مبدأ، وهذه من أعظم المبررات لسقوط القيادات في نظر الجماهير!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى