مكافحة التدخين السياسي


الإنسان كما يقرر العلماء مكون من مادة وروح، فأما المادة وهي الجسم البشري، يستمد قوته مما يتناوله الإنسان من طعام وشراب، وعلاج- أغلب أمراضه- يكون بوسائل مادية، ومنها الأدوية والعمليات الجراحية وغيرها من سبل العلاج المتوفرة في دنيا الطب اليوم.

أما الجانب الروحي للإنسان فيتم تغذيته عبر الأديان والإيمان، وكذلك الابتعاد عن كل الأسباب الداعية للألم الروحي، ومنها الاضطهاد والظلم، والكذب والاستخفاف بعقول الناس، وانتشار الجريمة، وامتهان بشرية الإنسان، وذلك بكثرة القتل لأتفه الأسباب.

العراقيون بعد عام 2003، عانوا من التدمير الجسدي؛ عبر التفجيرات اليومية والاغتيالات المنظمة، والجريمة الرسمية، والاعتقالات اللاقانونية، أما في الجانب الروحي فقد عانى المجتمع العراقي من الكبت والظلم والاضطهاد، وتغييب الكفاءات واحتقارها، ومن عملية سياسية، لا تقيم وزناً للمواطن، بل ولا تنتمي – في غالبها- للعراق أصلاً.

ومجلس النواب في كل بلدان العالم، هدفه سن القوانين الهادفة لخير البلاد، ولسعادة المواطنين ولاحترام إنسانيتهم، وحقوقهم، ومجلس النواب الحالي في بغداد، لا يعرف ماذا يقدم للعراقيين، فوجد الانشغال بمصالحه الشخصية السبيل الافضل لتمضية هذه الدورة الانتخابية، وأعضائه منشغلون بكيفية شراء سيارات مصفحة، وكذلك برفع كتاب إلى أمانة بغداد لتوزيع اراضي سكنية على أعضاء البرلمان تصل قيمتها الى اكثر من ملياري دينار عراقي!؛ وذلك لتأمين مستقبلهم في مرحلة ما بعد انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، وكل هذه القوانين تقر وتنفذ رغماً عن إرادة الشعب المغلوب على أمره!

العراق يعاني اليوم من أزمة سياسية ستقود البلاد- لا قدر الله – إلى ما لا يحمد عقباه، والبرلمانيون- مع الأسف الشديد- منشغلون بقوانين ثانوية، وكان الاولى بهم الانشغال بكيفية استخدام الصلاحيات الدستورية لإنهاء هذه الازمة، باعتبارهم يمثلون الشعب!

ومن بين القوانين “المهمة” التي أقرها مجلس النواب الحالي في العراق، قانون مكافحــة التدخيــن رقم (19) لسنة 2012، وصادق عليه مجلس الرئاسة، ونشر في العدد رقم (4234) من جريدة الوقائع الرسمية، الصادرة في 2/ نيسان/ أبريل/ 2012.

أما الأسباب الموجبــــة للقانون، فهي: “ لغرض حماية المواطنين من الأخطار الصحية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية من جراء التدخين والتعرض لدخانه ولتجنب الآثار المدمرة له، ومن أجل تحقيق مجتمع صحي خال من التدخين من خلال وضع الضوابط الفعالة لمكافحته وفق المعايير التي أقرتها اغلب الدول في مكافحة التدخين، شــرع هـذا القانــون”.

والواقع أن هذا القانون فيه الكثير من الجوانب الايجابية، ولا يمكن لعاقل أن يقف ضده؛ لأن فيه منفعة عامة للمجتمع؛ عبر انتشار ثقافة احترام رغبات الآخرين، والابتعاد عن كل ما من شأنه الحاق الأذى والضرر ببقية أبناء المجتمع؛ لأن الحرية الشخصية، وإن كانت مكفولة بالكثير من فقرات القانون، إلا أنها محددة، بأن لا تتجاوز حدود الذات، ولا تكون سبباً لإزعاج وإرهاب الآخرين.

المطلوب اليوم من البرلمان الحالي، إن كان يريد أن يقدم شيئاً للمواطنين، تحديد أولوياته، وإيقاف الإيذاء والتجريح الروحي والنفسي للعراقيين، عبر سن القوانين التي تجرم السياسيين الذين لا يحترمون كلمتهم، من الأصوات الشاذة المنتشرة في داخل البرلمان وخارجه، والتي لا تحترم الشعب، ونهبت أمواله، ودمرت حضارته، وكان، بعضها، سبباً في مجيء الاحتلال الأمريكي، وتفريغ البلاد من الكفاءات العلمية والثقافية، وأغلب السياسيين دورهم، اليوم، منحصر فقط بالتصريحات اليومية اللامسؤولة لوسائل الإعلام، وهم لحد الآن، لم يقدموا شيئاً لمن تورطوا وانتخبوهم في يوم من الأيام، وكل ذلك يدخل في دائرة التدخين السياسي القاتل.

هذه الأصوات السياسية المخيفة غير المسؤولة هي التي تسببت بالأزمات النفسية والعقلية لملايين العراقيين، وهي أولى بالمكافحة من التدخين.

نحن اليوم بحاجة إلى إيقاف التدخين السياسي المضر بصحة وعقلية ومستقبل المواطن العراقي؛ لأنه مليء بالتناقضات، وكذلك فالمجتمع العراقي بحاجة لتغيير شامل، يُنهي حالة المجاملات السياسية، والشخصنة التي لا همّ لها إلا النفس والحزب الواحد والطائفة، وكل هذه العوامل هي معاول هدم خربت البلاد ونخرتها!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى