الردح الإعلامي في العراق


الاعلام مهنة الحقيقة، والمخاطر والهموم، وان كانت هي السلطة الرابعة بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية، الا انها صاحبة المركز الاول -بلا منافس- من حيث كثرة المتاعب وخطورة التبعات.

الردح الاعلامي يقصد به تلميع صورة نظام من الانظمة او حاكم من الحكام، او منظمة ما، مقابل منافع شخصية سواء كانت مالية، او اعتبارية، وهو في الحقيقة نفاق يقصد به تلك المجموعة من المنتسبين للصحافة من الذين ارتضوا لأنفسهم -مع الاحترام لكل الصحفيين الاوفياء لمهنتهم- ان يقلبوا الحقائق، ويزوروا التاريخ، وهم موجودون -مع الاسف الشديد- في كل مكان وزمان بنسب ودرجات متفاوتة.

الصحفيون في العراق بعد عام 2003، انقسموا قسمين، القسم الاول هم الذين مُولوا من الولايات المتحدة الامريكية وكونوا نتيجة لذلك القنوات الفضائية والصحف والاذاعات، وهؤلاء يعرفهم حتى الناس البسطاء في العراق، ومهما حاولوا التظاهر بارتداء ثياب الوطنية فان الجميع يعرفون ان ثيابهم مزيفة وممزقة، ومن هؤلاء الاعلام الحكومي الرسمي الذي يعد من المصادر المهمة في نقل الحقيقة للعراقيين، الا انه -مع الأسف الشديد- قد وضع نفسه في خانة الرادحين للحكومة، ووضع أصحابه رؤوسهم في الرمال، بعيداً عن الحقيقة الساطعة المتردية للواقع العراقي.

والقسم الآخر هم الصحفيون الذين رفضوا الوقوف ضد العراق، لأن حب العراق هو الفيصل، والتضحية من أجله ونصرته والوقوف مع شعبه، هو المقياس للوطنية الصادقة، وهذا الفريق دفع الثمن غالياً، وكانت النتيجة مئات الشهداء والمعاقين والجرحى والمشردين.

ما زالت حرية التعبير في “العراق الجديد” تمر بأسوأ مراحلها، وحتى نؤكد هذه الحقيقة بحيادية تامة، ولا يقال بأننا متحاملون على هذا الطرف، او ذاك، سأحاول ذكر مجموعة من الآراء المحايدة، ومنها تقرير وزارة الخارجية البريطانية السنوي حول حقوق الانسان والديمقراطية لعام 2011، والصادر يوم 2/5/2012، والتي أكدت فيه ان العراق واحدٌ من أسوأ دول العالم بمجال حرية التعبير عن الرأي، وأكدت ارتفاع حالات الاساءة للصحفيين خلال عام 2011، حيث اغتيل سبعة منهم، أبرزهم الصحفي (هادي المهدي) في شهر ايلول عام 2011 والذي كان ينتقد السلطات الحكومية بشكل دوري.

تقرير الخارجية البريطانية أوضح ان قانون حماية الصحفيين العراقي الذي أقره مجلس النواب في شهر آب من العام الماضي، يتضمن بعض الاحكام المقلقة التي قد تؤدي لتآكل الحريات الاعلامية، خصوصاً بعض النصوص المبهمة فيه، والتي يحظر على الصحفيين فيها “الاخلال بامن واستقرار البلاد”!.

وفي ذات اليوم كشف مرصد الحريات الصحفية عن ارتفاع ملحوظ في معدلات العنف والقيود المفروضة على عمل الصحفيين العراقيين، محذراً من تصعيد مثير للقلق إثر حزمة قوانين لتقييد حرية التعبير واعتقالات تعسفية، وهجمات ضد العاملين في مجال الاعلام، بعضها من قبل قوات الامن، وأن “السلطات تقوم بمساع مثيرة للقلق للسيطرة على التدفق الحر للمعلومات وممارسة الضغط على الصحفيين الميدانيين لمنعهم من ممارسة عملهم”.

وفي بداية كانون الثاني 2021، أكدت (سارة ليان ويتسن) المديرة التنفيذية لقسم الشرق الاوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش انه “في عام 2011 ظل العراق من اخطر البلدان في العالم على الصحفيين، وان السلطات العراقية شنت حملة قمع اثناء عام 2011 على حرية التعبير وحرية التجمع، وان العراق ينزلق سريعاً الى الدولة السلطوية القمعية”.

هذا الكلام يفند المزاعم الحكومية من ان “التجربة الديمقراية في العراق تعد نموذجاً يقتدى به في المنطقة”!.

ولا ادري، هل هذه التقارير التي ذكرتها وزارة الخارجية البريطانية وغيرها من المنظمات الدولية، تتحدث عن العراق الذي نعرفه، أو عن عراق آخر موجود في مخيلة حكومة المنطقة الخضراء، أو ربما على كوكب آخر؟!.







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى