حياة العراقيين وسط الالغام



كثيرة هي المصطلحات التي تمر أمام أعيننا في العراق، والمنحوتة في ذاكرتنا، ومع ذلك فإننا لا نتوقف عندها لنتفحص أبعادها ومنها الألغام، السيارات الملغمة، والأسلحة الكاتمة غيرها من العبارات التي صارت من ضمن الموروث الشعبي العراقي.

الألغام تلك الكتلة الحديدية المليئة بالموت والتدمير، سلاح فتاك، وفي الغالب يكون ضحاياه من المدنيين؛ لأن أغلب العسكريين يعرفون كيفية الابتعاد عنه، ومن بين المدنيين النسبة الأكبر تكون من حصة الأطفال الذين يخرجون للمرح واللهو، وتكون نتيجة لهوهم البريء إما الموت، أو الإعاقة.

والعراقيون أصدقاء للألغام منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وحينها لجأت القوات المسلحة العراقية لزرع الألغام؛ لإعاقة حركة العدو، وبعد انتهاء الحروب انقلب السحر على الساحر، وصارت هذه الألغام نقمة على الأبرياء.

وفي بداية شهر نيسان 2012، أكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة نشرت بمناسبة “اليوم العالمي للتعريف بمشاكل الألغام والإجراءات المتعلقة بمكافحتها” أن انتشار الألغام في العراق يؤثر بشكل مباشر على حياة أكثر من (1,6) مليون شخص، يعيشون في (1600) منطقة، ويمثلون 21% من سكان البلاد، وأن العراق من بين البلدان الأكثر تضرراً بالألغام في العالم، وأن الألغام والعبوات غير المتفجرة تغطي ما يقرب من (1730) كيلومترًا مربعًا من مساحة البلاد، وأن 90% من الأراضي الملوثة بالألغام أراضٍ زراعية، وهو ما يجعل العائلات التي تسكن في هذه المناطق تعيش ظروفا اقتصادية صعبة للغاية.

وفي يوم 9/4/2012، أعلن مسؤول دائرة العلاقات في دائرة شؤون الألغام التابعة لوزارة البيئة العراقية هاشم مظلوم الزبيدي أن مشروع إزالة الألغام يحتاج إلى (12) بليون دولار!

وهذا سيفتح باباً اضافياً للفساد المالي والإداري في البلاد!

من جانبها أكدت وزارة البيئة الحكومية يوم 25/4/2012، وجود أربعة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي العراقية تنتشر فيها حقول ألغام، وأن هذه المساحة وحدها تحتاج إلى عشر سنوات لإزالة الألغام المزروعة فيها، وهذا الكلام يتناقض مع المتطلبات الإنسانية الأساسية التي تتضمنها اتفاقية أوتاوا، أو اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، التي وقع عليها العراق عام 2008، التي تنص على أن تطهر كل دولة أراضيها من الألغام التي لديها بعد عشرة أعوام من التوقيع على الاتفاقية.

وكيل وزارة البيئة الحكومية (كمال حسين) كشف عن أن مسؤولين في وزارة الدفاع العراقية يعرقلون عمل الفرق المختصة بإزالة الألغام المنتشرة على الحدود، بحجة أن بعض “الإرهابيين” يخرجون هذه الألغام ويستخدمونها في صنع العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات، وبالتالي تبقى الكارثة مستمرة، والضحايا دائماً من المدنيين الأبرياء، وبذات الحجة منع الجيش الحكومي في كانون الأول (ديسمبر) 2008 الشركات المدنية من مسح البلاد لإزالة الألغام خشية بيعها، أو وقوعها في أيدي “تنظيمات مسلحة”.

وحسب إحصائية شبه رسمية نشرتها صحيفة المدى العراقية في العشرين من شهر شباط/ فبراير، 2012، فان عدد المعاقين نتيجة الألغام في العراق (244,659) ألف نسمة، فيما تشير التقديرات الأولية إلى وجود أكثر من مليون مصاب بالعوق في العراق، تتراوح شدة عوقهم بين المهدد والعاجز كلياً, إلا انه يصعب تحديد الأرقام التفصيلية لأنواع العوق وأسبابه المختلفة لعدم توفر الإحصائيات الدقيقة في هذا المجال.

الحياة بلا طمأنينة نقمة، والرعب الذي يملأ حياة الناس له صور كثيرة، يجعل الحياة معها عبئاً لا يطاق، ورغم هذه المنغصات القاتلة، نجد أن العراقيين متمسكون بالحياة؛ لأنهم لا يعرفون اليأس، وهنا ينبغي على المنظمات الدولية والإقليمية المدنية والإنسانية القيام بواجبها تجاه المدنيين العراقيين، الذين وجدوا أنفسهم في مستنقع من الألغام التي تحصد أرواحهم في كل زمان ومكان، في وقت تقف الحكومة، عاجزة عن القيام بأبسط واجباتها للتقليل من آثار هذه الألغام!








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى