الصحافة العراقية تحت العقاب

المتابع لبعض فقرات ومواد الدستور العراقي الحالي، حينما يقرأها يعتقد، للوهلة الأولى، أنّه يعيش في واحدة من أرقى الدول الديمقراطية بالعالم؛ وذلك بسبب العناية في تزيين وتزويق العبارات، التي توهم الآخرين بمضمونها، ومن ذلك ما جاء في المادة (38) من الدستور الحالي، التي تكفّلت الحكومة، بموجبها، بحماية حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي.
وحينما يصحو المرء يجد أمامه الواقع المرير الذي يعكس حجم الكبت وتزوير الحقائق، وتكميم الأفواه، وآخر هذه الصيحات في عالم الخنق الإعلامي بيان وزارة الداخلية الحالية الصادر في يوم 12 نيسان الحالي، والموجَّه إلى جميع المؤسسات الإعلامية العاملة في العراق، المحلية منها والأجنبية، حيث دعتهم فيه إلى تحديد مصادر أخبارهم، وهددتهم بالمقاضاة في حال رفضوا الكشف عنها!

وفي وسط هذه العتمة من الظلم والاستبداد، أفاد مؤشر "الإفلات من العقاب" الذي حدّثته لجنة حماية الصحفيين الدولية في بداية الشهر الحالي، وهو تصنيف سنوي للبلدان التي يُقتل فيها صحفيون بصفة منتظمة، وتفشل حكوماتها في الكشف عن مرتكبي الجرائم، بعدم وجود دلائل تشير إلى تقدم في مكافحة جرائم قتل الصحفيين في العراق. وذكر (جويل سايمون) المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، أنّ لجنته لم تجد أيّ دلائل على تحقيق تقدم في مكافحة جرائم قتل الصحفيين في البلدان الأربعة التي احتلت أسوأ أربع مراتب على المؤشر، وهي: العراق والصومال والفلبين وسريلانكا، وأنّ هذا المؤشر يمثّل دعوة للحكومات كي تضمن ألاّ تصبح التغطية الصحفية حول المواضيع الحساسة حكماً بالإعدام على الصحفيين. ويجب أن يصبح تحقيق العدالة، وحماية الصحفيين شأناً يتمتع بالأولوية في البلدان الملتزمة بالمساءلة وحكم القانون. وفي يوم 14/4/2012، ذكرت صحيفة الصباح الجديد البغدادية نقلاً عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، أنّه وفي ضوء قانون جرائم تقنية المعلومات المطروح أمام البرلمان الحكومي في بغداد، وبعد انتشار الاعتداءات على الصحفيين في الأسابيع الأخيرة، فإنّ منظمة "مراسلون بلا حدود" قلقة للغاية بشأن حرية الحصول على المعلومات في العراق، والقانون الذي تمّت الموافقة عليه في قراءة أولى في تموز الماضي يمثّل تهديداً حقيقياً لحرية تغطية الأخبار على الإنترنت.
ومسودة القانون لا توفّر حماية مناسبة للمؤسسات الصحفية ومصادرها، وتُحمّل المسودة مزودي التقنية المسؤولية عن المحتويات التي ترسل عبر تقنيتهم، أمّا الضمانات التي تحمي التفاصيل الشخصية للمستعملين فضعيفة جداً.

وضمن سياسة التكتيم الإعلامي في العراق، أكّد مرصد الحريات الصحفية أنّ قوات الأمن الحكومية في العراق تصرّفت بطريقة فجّة تجاه الصحافيين، وعرقلت سير عملهم خلال أعمال مؤتمر القمة العربية التي عقدت في بغداد نهاية الشهر الماضي، ومنعتهم من استعمال الطرق الرئيسية، ومن التقاط الصور، أيّاً كان الموضوع الذي كانوا يرسلون تقريرا عنه!
وفي الخامس من نيسان الحالي كتب الصحافي (سعد الأوسي) رسالة مفتوحة إلى المالكي، وطلب منه وقف الاضطهاد الذي قال أنّه تعرّض له من قبل أنصار رئيس الوزراء، ولا سيما داخل أجهزة الاستخبارات. وقضى الأوسي (16) شهراً في الاعتقال، بين نيسان 2010 وآب 2011، بسبب مقال انتقد فيه الوسائل التي تمكّن المالكي عبرها من حيازة السلطة.
حرية موهومة للصحافة، وأجهزة أمنية تعسفية تقمع الحريات، وبالتالي سنبقى أمام أكذوبة الحريات التي يحاول هؤلاء الساسة تمريرها على الواضعين رؤوسهم في الرمال، في بلاد تعيش في جملة من الأكاذيب التي لا تنتهي إلاّ بثورة شعبية لطرد الغرباء والكذابين، وحينها يوضع هؤلاء القتلة تحت العقاب، وليس رجال الإعلام الأحرار الذين لا هَمّ لهم إلاّ نشر الحقيقة التي تحاول الحكومة إخفاءها!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى