شباب العراق والهروب نحو الانتحار



مرحلة الشباب من المراحل المهمة في بناء شخصية الإنسان وفي عمران الأوطان، وبتجاهل متطلبات الشباب تجد الأمة، أية أمة، نفسها، أمام مطبات لا يمكن تجاوزها بسهولة، أو حتى تجاهلها؛ لأنها صادرة عن طبقة مهمة وحيوية، وهم شريحة الشباب، وإذا لم يتم الالتفات لهم، وتوجهيهم الوجهة الصحيحة، فسيكونون كالوقود القابل للاشتعال في أية لحظة، ويكون ضررها على نفسها أولاً، ثم على الوطن.

والإنسان، أي إنسان، سواء أكان مؤمناً بالآخرة، أو ملحداً يزداد تمسكه بالحياة يوماً بعد آخر، وهذا مما عرف بالعقل والنقل، وفي ديننا الإسلامي يُعد الانتحار من كبائر الذنوب؛ لأنه إنهاء لحياة ليست ملكاً للإنسان، بل هي ملكاً لله تبارك وتعالى.

ورغم التشبث الفطري بالحياة، نسمع بين حين وآخر بإقدام فلان من الناس على الانتحار، في شتى أرجاء العالم، إلا أن هذه الحالة صرنا نسمع بها بكثرة في عراق ما بعد عام 2003.

والواقع، انه لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد المنتحرين في بلاد الرافدين، وقد حاولت أن أجد مثل هذه الإحصائيات، في مواقع وزارة الصحة وحقوق الإنسان وغيرها، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل، إلا أن متابعة المواقع والصحف العراقية تعكس حجم انتشار ظاهرة الانتحار حتى أنها صارت من الأخبار المألوفة في الإعلام العراقي.

وآخر هذه الحالات، ما وقع في يوم 18/4/2012، حيث أعلن رئيس مجلس قضاء الفاو في البصرة جنوب العراق، (عبد علي فاضل رماثي) عن انتحار رجل عاطل عن العمل من خلال شنق نفسه داخل بيته، وأن “المنتحر متزوج ولديه أربعة أطفال، وكان عاطلاً عن العمل”، مؤكداً أن “ستة مواطنين على الأقل من أبناء القضاء انتحروا حرقاً وشنقاً خلال الأشهر الستة الماضية بسبب البطالة ومشاكل نفسية وعائلية”!

ولمن لا يعرف الفاو فإنها مدينة تقع عند مصب شط العرب في الخليج العربي، وفيها ميناء الفاو الشهير، وهي أفضل من غيرها من ناحية توفر فرص العمل، فكيف هو الحال بالنسبة لسكان العديد من المدن الأخرى التي تعيش حالة من الموت البطيء بسبب انعدام فرص العمل والبطالة؟!

وفي نهاية العام الماضي، وتحديداً يوم 6/11/2011، كشفت صحيفة (روداو) الأسبوعية الصادرة في كردستان العراق عن ازدياد حالات الانتحار المسجلة بين الشباب في “الإقليم”، وأن الأرقام تشير إلى ارتفاع مستمر في عمليات الانتحار بين الشباب والمراهقين، وأن إحصائية لحالات الانتحار في الأشهر الستة الأولى من هذه السنة بينت أن (21) شاباً انتحروا في اربيل، و(29) شاباً آخر في السليمانية.
ونقلت الصحيفة عن مدير شرطة اربيل (عبد الخالق طلعت) قوله: إن أغلب الشباب المنتحرين هم دون سن الثامنة عشرة!

فيما كشفت مديرية صحة محافظة السليمانية، عن تسجيل (69) محاولة انتحار في المحافظة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2011، وأن الغالبية العظمى من المحاولات كانت بين النساء.

هذا هو حال شباب العراق، الذين وجدوا – مع الأسف الشديد- في الانتحار السبيل الأسهل للهروب من الأوضاع السيئة التي يعانون منها؛ وسط إهمال حكومي واضح وكبير لمشاكلهم وطموحاتهم، وبهذا فإن العراق يخسر خسائر مضاعفة، من رجال المستقبل الذين وجدوا أنفسهم، في لحظة من الزمن، لا يعرفون إلى أين تسير مراكبهم؟ فاختاروا مركب الموت؛ ظناً منهم انه الحل، وهم بلا شك مخطئون!
ملاحظة:

المؤلم أنه، وبعد الانتهاء من كتابة هذا المقال، نُشر الخبر الآتي على موقع صحيفة المواطن العراقية: “ أفاد مصدر أمني في شرطة بابل، اليوم (18/4/2012) عن انتحار ثلاثة شبان بإطلاق النار على أنفسهم في منطقة الثورة بالحلة، وأن الشبان الثلاثة أبناء عم ويسكنون معاً، وتتراوح أعمارهم بين (17) إلى (20) سنة، وأن أسباب الانتحار غامضة، ولا توجد أية أدلة في مكان الحادث على خلاف بينهم في حين أكدت عوائلهم أنهم كانوا من خيرة الفتيان في المنطقة”.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى