القضاء والتعليم العراقي إلى أين؟






من أهم واجبات الحكومة –أي حكومة في العالم– العمل على تحقيق العدالة

وتطبيق القانون ونصرة المظلوم وتوفير الحياة الحرة الكريمة للمواطن. وهذا الكلام لا خلاف عليه في أغلب الدول الديمقراطية والدكتاتورية، إلا في بلاد النهرين فان الوضع مختلف، ولا يمكن أن يقارن مع حالة أخرى في العالم.
والحالة التي لا يشابه فيها ساسة العراق أقرانهم في دول العالم هي التصريحات المخالفة لكل ما يَدعون إليه عبر خطاباتهم الرسمية وغير الرسمية، والمتعارضة –أيضاً- مع الدستور الذي كتبوه بأيديهم. ولتأكيد هذه الحقيقة فإن رئيس الحكومة الحالية، والسابقة، نوري المالكي يصرح في كل يوم أنه يعمل من أجل مكافحة الفساد، وأن حكومته ستقضي على كافة صور الفساد المالي والإداري، وأنها تدعم الجهات القانونية والدستورية العاملة في هذا الميدان، ومنها هيئة النزاهة. وهي هيئة حكوميـة معنيـة بالنزاهـة العامة ومكافحـة الفسـاد، أنشئت في ظل الاحتلال بموجب القانون الصادر عن "مجلس الحكم الانتقالي"، وعدّها الدستور "العراقـي الدائم" عام 2005 إحدى الهيئات المستقلة، وجعلها خاضعة لرقابة مجلس النواب، هدفها منع الفساد ومكافحته، ولها وسائلها القانونية في تحقيقه، وتأدية وظيفتها عبر التحقيق في قضايا الفساد بواسطة محققين تحت إشراف قاضي التحقيق المختص، وكذلك اقتراح تشريعات تصب في ميدان مكافحة الفساد، وتنمية ثقافة الاستقامة والنزاهة والشفافية والخضوع للمحاسبة والتعرض للاستجواب.
وبالمقابل وجهت الحكومة الحالية برئاسة المالكي ضربة قاصمة للقضاء العراقي، حيث اتخذت قرارا يوم 11/ 12/ 2010، يقضي بتشكيل لجنة لتقديم مقترحات بشأن العفو عن الموظفين الحكوميين الذين ارتكبوا جرائم تزوير الشهادات والوثائق الرسمية، وذكر الناطق باسم الحكومة الحالية (علي الدباغ) أن مجلس الوزراء أمر بتشكيل لجنة برئاسة المستشار القانوني وعضوية مدير الدائرة القانونية في الأمانة العامة، بالاشتراك مع مسؤولين من وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى؛ لتقديم مقترحات بشأن العفو عن الموظفين الذين قاموا بتزوير شهادات ووثائق، على أن تقدم مقترحاتها خلال أسبوعين.
هذا القرار سيضرب القضاء والتعليم معاً؛ حيث إن هيئة النزاهة هي جهة قضائية يرأسها قاض وعملها قضائي بحت، والهيئة هي التي اكتشفت هذه الوثائق والشهادات المزورة، والحكومة تدخلت بصلب عملها القضائي، بل ضربت لب وروح العمل القضائي العراقي عموماً، وبالتالي سيتم تسييس القوانين، وليّ النصوص من أجل تنفيذ هذا القرار.
أما ضربها للتعليم فيتمثل بالعفو عن المزورين ممن يحملون شهادات مزورة، وهذا يقود إلى تشجيع روح الفساد والخراب الأخلاقي والعلمي والمؤسساتي والقضائي، في بلاد يدعي ساستها أنهم يعملون من أجل النهوض بالواقع المتدني لكافة قطاعات الحياة، ولا ندري أي خراب اكبر من هذا الخراب، وأي دمار أقوى من مثل هذه القرارات التدميرية التخريبية؟!!
غاية ما تهدف إليه الحكومة من مثل هذه القرارات المرفوضة في كل الأعراف والقوانين السماوية والأرضية هو التستر على شخصيات قيادية معروفة اليوم لكل العراقيين، تحمل شهادات عالية مزورة في مختلف الاختصاصات، يُراد لها أن تكون في مناصب حكومية حساسة ومهمة، إذا ما عرفنا أن اللجنة تشكلت في الأيام القليلة التي سبقت إعلان الحكومة؟!!
وبالمحصلة، يمكن النظر إلى هذه القرارات على أنها استهزاء بالقيم الأخلاقية والمبادئ التي تربى عليها أبناء شعبنا العراقي، وبالعراقيين عموماً، وبحملة الشهادات خصوصاً، الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل الحصول عليها.
ومهما تكن قرارات اللجنة المشكلة لهذا الغرض؛ فإنها مرفوضة جملة وتفصيلاً؛ لأنها تأصيل للباطل، وتشجيع على الغش والاحتيال والتزوير؟!!
تشريع مثل هذه اللجان يعد سابقة خطيرة في التاريخ العراقي، وضربة في الصميم موجهة ضد القضاء والتعليم في بلاد عرفت العلم والحضارة والقوانين منذ الآلاف السنين، وهذا يفند مزاعم الحكومة بعملها من أجل النهوض بالبلاد من جديد.
ولا نعرف إلى أين سيمضي هؤلاء بالعراق، بعدما ضرب رجال المنطقة الخضراء اكبر أسس الحياة (التعليم والقضاء)؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى