حواري مع الدكتور مثنى عبد الله




*الهيئة نت : كيف تنظرون إلى المشهد العراقي بعد سبع سنوات من الاحتلال ؟

// الدكتور عبد الله : المشهد العراقي يبدو اليوم أكثر وضوحا مما كان عليه قبل الانتخابات الاخيرة التي شهدت ارتفاع بعض الأصوات التي تنادي بالوطنية والمصلحة العامة وما سمي بـ( القوائم عابرة الطوائف والقوميات )، التي كانت ترمي الى أثارة الغبار في الساحة السياسية لتحقيق نواياها واهدافها ، التي انكشفت الان ، فالمحاصصة الطائفية قد تم تكرسيها من جديد حتى بات البعض يسميها الواقعية المجتمعية ويدعو إلى جعلها عرفا سياسيا، وأن التقسيم المحاصصي يجب أن يتعدى الرئاسات الثلاث لينسحب إلى كافة مفاصل الدولة ، وبذلك فنحن اليوم نواجه خطرا داهما وهو التشرذم السياسي الذي قد يقود إلى التشرذم الجغرافي أيضا، أما في المجالات الأخرى فما زال المواطن العراقي يعيش في عصر ما قبل الثورة الصناعية ، فالبنى التحتية تكاد تكون شبه معدومة، والفساد الإداري والمالي يضرب بجذوره في كافة المؤسسات والدوائر الحكومية ، والأمية عادت من جديد لتقضي على طموحات جيل كامل، كما وصلت نسبة البطالة في المجتمع إلى أرقام متقدمة جدا، اضافة الى انتشار الكثير من الآفات الاجتماعية التي باتت تهدد عموم المواطنين. 
وعلى مستوى الوجود الوطني والإقليمي والدولي للعراق كدولة تعد من أقدم دول المنطقة في نيل الاستقلال، فأن مفهوم الدولة قد زال وأصبح لا يمكن أن يطلق على الحالة التي يعيشها العراق اليوم ، لان جميع العناصر التي تتشكل منها الدولة باتت مفقودة تماما ، فالسيادة على الأرض والمياه والأجواء تنتهك يوميا سواء من قبل قوات الاحتلال ، أو من قبل بعض دول الجوار التي وخاصة ايران التي زحفت بحدودها ومخابراتها وأحزابها إلى العراق حتى باتت تتحكم فيه، فهي التي تشكل الحكومة، وهي التي توافق أو تعترض على من يدخل العملية السياسية الحالية ، كما أن ما تسمى قوات الجيش والشرطة وغيرها من الأجهزة الحكومية ، أصبحت ذات ولاءات مختلفة بعد أن غابت العقيدة الوطنية، وبعد أن تم تشكيلها من عناصر ميليشياوية، فانتقلت هذه الأجهزة من الاكتشاف الاستباقي للجريمة إلى الاتهام الاستباقي لكل من يختلف مع نهجها الطائفي والعرقي، وبذلك أصبح المواطن مشروع قتل دائم لهذه الأجهزة.

*الهيئة نت : هل تعتقد أن أمريكا تورطت فعلا في العراق، أم أن جيشها مازال يسيطر على أرض الواقع ؟

// الدكتور عبد الله: نعم أنها تورطت بالعراق وذلك ليس نابعا من أنها لم تخطط جيدا للغزو والاحتلال، بل لأنها تحسبت للقوة المادية المؤسساتية العراقية، ولم تتحسب للقوة المعنوية الشعبية التي يمثلها الصمود والتصدي والمقاومة، لذلك انتقلت أمانيها من الاستقبال الشعبي لقواتها بالورود ـ والذي لم يحصل ـ إلى الانسحاب الاضطراري الذي لم تكن تتخيل انها ستجبر عليه، الا ان التعويل على أن الانسحاب معناه ترك العراق لأهله فهذا خطأ فادح، لان الوقائع على الأرض يشير إلى أن القوة العسكرية الأمريكية مازال لها الدور الفاعل في ما يجري من مداهمات واعتقالات، ومازال التنسيق الاستخباراتي مع ألاجهزة الحكومية قائما، كما أن وجود قواعد أمريكية ضخمة قائمة وأخرى يجري بنائها وتأسيس أكبر محطة مخابرات في السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء، تعد دلائل واضحة على استمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق، كما ان صاحب القرار الأمريكي في ذهن اليوم خطة جديدة لنزع اللباس العسكري لقوات الاحتلال الغاشمة واستبدالها بقوات ( ناعمة ) قادرة على التغلغل في كافة المؤسسات الحكومية والسيطرة على قراراتها تحت صفة مستشارين وخبراء وشركات الحماية ألامنية والشركات التجارية والقنصليات ومراكز ألابحاث وغيرها، والمتتبع لتاريخ جميع الغزاة يرى أنهم لم يتركوا بلدا ألا وتحالفوا مع بعض القوى فيه لتمكنوا من التحكم بقرارات البلد الحتل الى أبعد فترة ممكنة.

*الهيئة نت : من الذي أجبر الأمريكان على التفكير بالرحيل من العراق، المقاومة العراقية أم ما يسمى الهدوء النسبي الذي تزعمه الحكومة الحالية ؟

// الدكتور عبد الله: يقينا أن الذي أجبر الأمريكان على التفكير بالرحيل واستبدال الزي العسكري بالسياسي، هي المقاومة العراقية التي كانت السبب الرئيسي لذلك، ثم الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي كانت نتيجة للسبب الأول، فالحسابات الأمريكية كانت تشير إلى خسائر محدودة في بداية الغزو يجري تعويضها بسرعة بعد استتباب السيطرة الكاملة على هذا البلد، لكن المفاجأة كانت كبيرة لهم بعد أن نجحت المقاومة العراقية بوضع القوات الأمريكية في حالة استنزاف يومي كلفها خسائر جسينة في الأرواح والمعدات لا سيما خلال الفترة الواقعة بين عامي ( 2005 و 2006 )، فأنتقل هذا التأثير إلى ملامسة الحياة اليومية للمواطن الأمريكي الذي بات يشعر بأن قادته قد ورطوه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، حتى بات مستقبله ومستقبل أطفاله مهددا بسبب الشلل الذي أصاب المنظومة الاقتصادية الأمريكية التي تعتبر عماد التفكير لأي مواطن أمريكي، لذلك هرعوا إلى دراسة وضعهم في العراق من خلال لجنة بيكر هاملتون، كما شرعوا باستدراج البعض من العراقيين والتأثير عليهم بالمال لتشكيل ما سمي قوات الصحوات في محاولة للتأثير على المقاومة واختراقها، إضافة إلى شروعهم بتخصيص مبالغ أضافية لزيادة تحصين معداتهم العسكرية ضد الأسلحة التي تستخدمها المقاومة العراقية ضد قواتهم المحتلة ، ثم كان قرارهم بالانسحاب المزعوم من المدن العراقية منتصف العام الماضي واللجوء إلى القواعد المحصنة أملا في تقليل تلك الخسائر، أما ما يشاع بان الهدوء النسبي أقنع الأمريكان بالرحيل فلا صحة له أطلاقا، فالمقاومة العراقية ما زالت تشن يوميا هجمات صاروخية ضد قواعد االاحتلال المنتشرة في العراق ، وتواصل تصديها الحازم لقوات الاحتلال داخل المدن وخارجها ، كما ان قادة الأحتلال يؤكدون في تصريحاتهم المتواترة بأن الوضع في العراق مازال هشا.

*الهيئة نت : برأيكم هل هنالك فتنة طائفية اليوم في العراق، ومن يقف ورائها ويغذيها؟

// الدكتور عبد الله: لم يعرف المجتمع العراقي سابقا الفتنة الطائفية أطلاقا، وكانت مدن العراق ومؤسساته وجامعاته ومدارسه بعيدة كل البعد عن التقسيمات الطائفية، وحتى بعد الاحتلال مباشرة فأن الذي ظهر هو ليس فتنة طائفية بالمعنى الحقيقي لهذا المفهوم، بل هي محاولات قام بها الاحتلال أولا انطلاقا من مفهوم نظرية بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، التي تدعو إلى ضرب البنى التحتية للمجتمعات وتقسيمها على أسس مذهبية وأثنية تسهيلا للسيطرة عليها، وثانيا قامت بها الأحزاب الطائفية التي جاءت مع المحتل والتي لم تكن تملك أية قواعد جماهيرية، فحاولت بث الفرقة واستعداء البعض ضد الآخر بهدف التمكن من السيطرة على الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد، وبالتالي خلق أمارات طائفية تتحكم هي بمصيرها وثرواتها، لكن هذا المشروع فشل فشلا ذريعا بعد أن ذاق الجميع مرارته ولمسوا سوءاته وانكشفت أهداف تلك الأحزاب الطائفية بعد أن توصل بعض المغرر بهم إلى حقيقة أن هذه الأحزاب لا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة وثرائها الفحش في الوقت الذي لم تقدم له أي شيء يستحق الذكر طيلة وجودها في السلطة، وبذلك سقطت كل الادعاءات التي سبقت الانتخابات الأخيرة ، حيث عاد الجميع بعدها إلى المحاصصة والتحدث باسم المكونات والاستحقاقات الطائفية والقومية. 

*الهيئة نت : أيهما أخطر على العراق التغلغل الإيراني أم التواجد والاحتلال الأمريكي؟

// الدكتور عبد الله: حسب قوانين علم السياسة فان العراق يرزح تحت نير احتلالين بغيضين هما الاحتلال الإيراني والاحتلال الأمريكي، وإذا كان الجميع قد انتهى إلى أن التواجد الأمريكي هو احتلال على الرغم من أن البعض يسميه قوة صديقة ساعدت الشعب العراقي على التحرر كما يدعي جلال الطالباني والآخرين، فأن الاحتلال الإيراني لا يمكن تسميته بغير ذلك، فكما أن الأمريكان لهم قوات على الأرض وتقرر ما تريد خارج أرادة الشعب العراقي، فان الإيرانيين لهم قوة خاصة بهم تقرر مصالحهم خارج الإرادة العراقية. 
أن مواثيق الأمم المتحدة تؤكد أن أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول أنما يعتبر عملا عدوانيا ومساسا بسيادة الدول وإعلان حالة حرب عليها، أذن عندما تتدخل إيران بكل هذا الوضوح بالشأن العراقي إلى الحد الذي يقول فيه ما يسمى مستشار الأمن القومي السابق ( موفق الربيعي ) بأن إيران لها القول الفصل في الشأن العراقي من خلال أحد ضباطها، ويصرح مدير جهاز المخابرات السابق بنفس المعنى، وتفرض من تريده لتشكيل الحكومة وتعزل من لا تريده، وتنشر في العراق عناصر مخابراتها ، ولديها أحزاب في السلطة تمولهم وتدربهم، ولها التأثير الواضح على البعض من رجال المؤسسة الدينية، وترتفع صادراتها إلى العراق بأرقام مذهلة دون أن تقابلها صادرات عراقية، ويتم العثور وبشكل واسع على أسلحة وذخائر إيرانية الصنع يجري تهريبها إلى العراق، ويتناول الرئيس الإيراني الشأن العراقي الداخلي في خطابات رسمية .. داعيا إلى منع هذه الجهة أو تلك من المشاركة السياسية، بعد كل هذا فأن الاحتلال الإيراني هو احتلال قائم ودلائله واضحة، أما مَن الاحتلالين أخطر نقول بأن كلا الاحتلالين لهما أجندته الخاصة التي لا تصب في مصلحة الشعب العراقي، ولا نعتقد بأن هناك احتلال بغيض والآخر غير بغيض، ولا يوجد احتلال أرحم من الآخر، لان كل الاحتلالات تستهدف الأرض والشعب، ونحن نعتقد بان التركيز على الاحتلال الإيراني وغض الطرف عن الاحتلال الأمريكي خطأ فادح؛ لان الأمريكان هم الذين سمحوا للإيرانيين بالتمدد في العراق.

*الهيئة نت : برأيكم من المسؤول عن الانهيارات الأمنية التي يشهدها العراق بين الفينة والأخرى؟

// الدكتور عبد الله: إن العراق ومنذ الأيام الأولى للاحتلال أصبح ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية السيئة وتواجدت فيه وبشكل علني العديد من أجهزة المخابرات المعادية، حتى أن الكثير من مقراتها الرسمية كانت معروفة للعراقيين في عدد من فنادق العاصمة، كما أن جهات كثيرة استخدمت مرتزقة عالميين لتحقيق بعض أهدافها، ما ولد حالة من الإرباك الذي لم تعرفه الكثير من الدول التي مرت بنفس الظروف التي مر بها العراق، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار قرارات حل عدد من وزارات ومؤسسات الدولة العراقية قبل الاحتلال وخاصة الجيش والاعلام والأجهزة الأمنية، واستبدالها بأجهزة فاقدة للولاء الوطني ، يتضح بأن الانهيارات الأمنية التي حصلت كان معد لها سلفا، وهي جزء من فوضى مطلوبة لقوات الاحتلال والقوى السياسية الحالية المتمسكة بالسلطة ، كما أن الصراع الجاري على المناصب الحكومية ، وتقسيم فرق الجيش على أسس الكتل السياسية يعطي انطباعا واضحا بأن الجميع يريد أن يستخدم قوة الدولة في تعزيز مواقعهم السلطوية، وفي حماية حلفائهم في حالة انكشاف سرقاتهم وفسادهم السياسي، لذلك عندما تبجح رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي زورا وبهتانا بأنه نجح في تحقيق الأمن ، قلب الحلفاء الطاولة عليه فحدثت تفجيرات مروعة في بغداد، ما جعله يبرر ذلك بأن بعض المسؤولين في حكومته يحاولون عرقلة نجاحه الأمني، كما أن إيران كان لها دور كبير في الفوضى الأمنية لإعطاء انطباع بان الأمريكان غير قادرين على الإمساك بالوضع الأمني، ولإحراجهم بغية تقديم بعض التنازلات في الملفات العالقة بينهم، فكان جلوسهم على طاولة المباحثات المشتركة في بغداد للبحث في الوضع الأمني العراقي، دليل على مشاركة النظام إلايراني في الكثير من الجرائم الوحشية التي طالت الالاف من ابناء الشعب العراقي.
زاضافة لما تقدم فان الموساد الصهيوني كان له دور كبير في الكثير من التفجيرات لا سيما ذات الصبغة الطائفية، أملا منه في تعزيز النعرة الطائفية والقومية بهدف تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة ، وبالتالي زوال التهديد العراقي للكيان الصهيوني تماما.

*الهيئة نت : إلى أي مدى تمكنت الميليشيات من اختراق القوات الحكومية؟

// الدكتور عبد الله: لا نستطيع أطلاق تسمية اختراق في هذا الجانب، لان الاختراق يكون خلسة أو في ظروف الغفلة، بينما كان دخول المليشيات إلى ألاجهزة العسكرية والأمنية الحكومية بقرار رسمي حيث شرع الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر) بتشكيل قوات الجيش والشرطة والأمن على أساس ما موجود لدى الأحزاب التي جاءت مع المحتل من قوات مليشياوية تم تدريبها وتجهيزها أثناء الاستعدادات التي كانت تجري للاحتلال، حيث تشكلت منها القيادات الرأسية لتلك الأجهزة ثم تم بعد ذلك قيام هذه المجاميع بترشيح من يرونه مناسبا للالتحاق، ثم قامت هذه القيادات بتصفية غالبية من التحق بهذه الأجهزة من العناصر التي عملت في قوات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية السابقة قبل الاحتلال، وقد اتخذت التصفية طرق عدة منها الاغتيال أو الإحالة على التقاعد أو نقلهم الى أماكن بعيدة عن صناعة القرار ، وبذلك تكون هذه المليشيات قد سيطرت بصورة تامة على القوات الحكومية، ويكون واجبها الرئيس هو تنفيذ أجندات ألاحزاب المرتبطة بها. 
أن مديات هذا التواجد كبيرة وخطيرة ليس في الوقت الحالي فقط بل على المدى البعيد أيضا، وتهدد الأمن الوطني العراقي ومستقبل المواطن، حيث أنها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة قد تتقاطع فيها مصالح الأحزاب والقوى الحاكمة فيما بينها، حيث تتحول إلى أدوات صراع سياسي وليس أدوات لإحقاق القانون والعدالة في المجتمع.

*الهيئة نت : من المسؤول عن الفساد المستشري في الدوائر والمؤسسات الحكومية، الاحتلال أم المالكي؟ 

// الدكتور عبد الله: لاشك بأن الاحتلال هو أكبر المفسدين وهو الذي عزز نظرية عدم حرمة سرقة الأموال العامة التي أطلقها البعض من السياسيين الذين قدموا معه، كما أنه هو الذي فتح دوائر الدولة العراقية أمام اللصوص ودعاهم إلى سرقتها علنا، وقد أثبتت السنوات الماضية من عمر الاحتلال بأن الكثير من العقود التي تم إبرامها بأشرافهم قد شابها الكثير من الفساد، وأمام هذا الوضع فإن رجال الاحتلال قد اتخذوا نفس الطريق الذي انتهجه سيدهم المحتل، فأصبحت الكثير من العقود والمناقصات تباع وتشترى بأضعاف أسعارها، ويتم توزيعها على المحسوبين على هذا الطرف أو ذاك، وغالبا ما تم النكوث بالعقد بعد أن يتم سرقة المبلغ المخصص لها، وإذا ما نظرنا إلى فترة حكم المالكي في السنوات الأربع الماضية، فان الكثير من قضايا الفساد الإداري والمالي قد تم التغاضي عنها وتبرئة معظم المسؤولين عن تلك التهم ، كما أن رأس السلطة التنفيذية لم يكن جادا أطلاقا في الحد من هذه الظاهرة طيلة الفترة الماضية .
ان تشديد الرقابة والتثقيف على حرمة سرقة المال العام، ومحاسبة المسؤولين السراق أمام الشعب والقصاص منهم، إجراءات رادعة تقطع الطريق على كل من تسول له نفسه فعل ذلك، لكن المالكي نأى بنفسه تماما عن اتخاذ أي أجراء من تلك الإجراءات، بل أصبح نفسه متهما بالعديد من قضايا الفساد المالي والإداري من خلال شراء أصوات الناخبين بالمال العام وتوزيع الهدايا لهم بقصد شراء الذمم، وتعيين نحو ( 100 ) مستشار في مكتبه يتقاضون الرواتب العالية.

*الهيئة نت : هل تعتقد أن حكومة المالكي جادة في ملف المصالحة العراقية؟

// الدكتور عبد الله: لا المالكي ولا حكومته جادين في موضوع المصالحة العراقية إطلاقا، بل أنه يقود حملة تثقيفية يؤكد من خلالها على أن جميع المخالفين لتوجهاته أنما هم متآمرون حتى وأن كانوا شركاء له في العملية السياسية، لذلك نجده يصف عودته إلى رئاسة السلطة مرة ثانية بعد تزوير الكتلة الأكبر وإقصاء من فازوا عليه بالأصوات بأنها (ليست الضربة الأخيرة التي نضرب بها خيوط المؤامرة التي كادت أن تنجح)، وبذلك أكد بالمطلق بأنه ليس معنيا بموضوع المصالحة فإذا كان يسمي شركائه في العملية السياسية بالمتآمرين فكيف سوف يصف الآخرين الذي يرفضون العملية السياسية؟ فالمنهج الوحيد الذي يعترف به هو الالتزام بالعملية السياسية من قبل من يريد المصالحة، كي يمن عليه بعد ذلك بمنصب حكومي ينتزعه منه متى ما شاء.
أن من يريد المصالحة الحقيقية ويكون جادا في بناء الوطن، عليه أن يتحلى بصفة قبول الآخرين وثقافة الرأي والرأي الآخر، والتداول السلمي للسلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقانون وهذه كلها لا وجود لها في أجندة المالكي، فهو يدعو إلى أن من يريد أن يشارك في بناء الوطن فعليه الالتزام بدستور الاحتلال الذي هو أول من خرقه، وأن يؤمن بمبدأ الشراكة التي تجاوز عليها مرات عديدة، وأن يأتي طائعا مستغفرا طالبا الصفح منه كي يقبله في السلطة التي لن يعطيها بعد الآن كما صرح هو بذلك. لقد مضت السنوات الأربع من حكمه وهو يقول ما لا يفعل في موضوع المصالحة، ويرسل الوفود إلى هذا الطرف أو ذاك ثم ينقلب على كل تعهداته والتزاماته، بل أنه أتخذ من هذا الموضوع سيفا يخيف به حلفائه الآخرين كلما وجد لديهم الرغبة بالانفضاض من حوله.

*الهيئة نت : هل المصالحة الوطنية رغبة حقيقية من المالكي أم أن هنالك ضغوط خارجية عليه؟

// الدكتور عبد الله: استنادا إلى ما تقدم فان الرجل أثبت بالوقائع الكثيرة ومنها مؤتمر الجامعة العربية في القاهرة بأنه ليس أهلا للعب دور هام في هذا الملف، بل هو أتخذ منها شعارا يستخدمه متى ما وجد فيه خدمة له، وأنه ليس لديه الرغبة أطلاقا في تحقيقها لأنه يعتبرها تهديد فعلي بتواجده في الساحة السياسية، لان المطلوب مصالحتهم أصحاب تاريخ سياسي عريق ومواقف مشهودة لن يستطيع مجاراتهم، وقد تملص كثيرا من الضغوط التي مورست عليه من الخارج لتحقيق ذلك، مدعيا بأنه حقق المصالحة الوطنية وأنه يتزعم حكومة وحدة وطنية، من خلال وضع بعض الرموز المصلحية والانتهازية في حكومته كواجهات يتبجح بها.

*الهيئة نت : كيف تنظرون الى الدور الإيراني في العراق؟

// الدكتور عبد الله: لازال الدور الإيراني في العراق دورا تخريبيا باستحقاق، فإيران تعتقد بأن وجود عراق قوي في جوارها هو أكبر خطر يهدد مصالحها في الإقليم، كما أن وجود شعب عربي في العراق عرف بمواقفه القومية التاريخية سيبقى مصدا لإطماعها في الخليج والجزيرة العربية، لذلك فهي تركز تركيزا إستراتيجيا على تفكيك العراق وإفراغه من قواه العلمية والاقتصادية وجعله مجرد كيان سياسي لا فعل له، كما أنها تعمل وبقوة على أثارة النعرات الطائفية بين أهله كي يتغلب العامل الطائفي على القومي، وبذلك ينكفئ أهل العراق عن أداء دورهم القومي في الدفاع عن أمتهم ويتم غلق البوابة الشرقية للأمة العربية تماما، لذلك فان الايرانيين يمارسون الان تخريبا ثقافيا واضحا وواسعا ويبذلون جهودا كبيرة أموالا طائلة لتحقيق ذلك من خلال أنشاء المؤسسات الطائفية في العراق تحت أسماء منظمات خيرية ومنظمات مجتمع مدني وغيرها، كما أنهم أصبحوا مؤثرين في الواقع العراقي من خلال السلطة السياسية التي تدين بالولاء السياسي لهم، والعامل الاقتصادي الذي رجحت كفته لصالحهم.
أن الإيرانيين يعتقدون بأن وضع أيديهم على العراق وقيام نظام سياسي فيه على غرار نظامهم سيعزز قوتهم وبالتالي تسهيل ابتلاعهم لدول الخليج العربي والجزيرة العربية، لأن طموحهم النهوض بإيران كقوة إقليمية فاعلة أنما يتحقق بهذا الابتلاع.

*الهيئة نت : ما هو تقييمكم للدور العربي في العراق؟

// الدكتور عبد الله: لازال الدور العربي في العراق يخضع للإرادات الدولية ويتحرك في ضوئها، فعندما طلبت الولايات المتحدة في بداية الغزو الذي قادته عام 2003 ، عدم التدخل في الشأن العراقي التزم العرب بذلك حتى كادوا أن ينسوا بأن العراق عربي على الرغم من المذبحة التي تعرض لها أشقائهم، بل دعموا من سلطهم الأمريكان على رقاب شعبنا ، وفتحوا سفاراتهم في المنطقة الخضراء، وقبلها سمحوا لمندوب الاحتلال بالتواجد في الجامعة العربية على الرغم من أن ميثاقها يشير إلا أن العضوية فيها للدول المستقلة بينما العراق محتل، وعندما تورط الأمريكان في الوحل العراقي وطلبوا من العرب التحرك لإقناع بعض الأطراف العراقية بالتوقف عن مقاتلتهم فعلوا ذلك وبذلوا الوساطات والأموال، هكذا كان الموقف العربي أما على الحياد أو لدعم الجهد الأمريكي في مباركة وليده اللاشرعي في العراق، ولذلك اسبابا كثيرة منها غياب الموقف العربي الموحد ازاء جميع القضايا العربية وليس القضية العراقية فقط، وانقسام الدول العربية إلى معسكرين أحدهما يتبع الموقف السياسي الأمريكي والآخر ضده، وعدم وجود رؤية واضحة عن الساحة العراقية وكيفية التعامل معها، لذلك وجدنا بين العرب من دعم الوضع القائم بعد الاحتلال لاعتبارات سياسية كي يحوز على الرضا الأمريكي، والبعض الاخر دعم الوضع لاعتبارات اقتصادية، كما ان هناك من دعم الوضع لاعتبارات وجود خلافات سياسية بينه وبين السلطة السياسية التي كانت قائمة قبل الاحتلال. 
في الحقيقة كل هذه الاعتبارات التي تعامل على أساسها العرب مع القضية العراقية كانت بعيدة تماما عن الشعور القومي والمصلحة القومية العليا، بل أنها لم ترق إلى أبسط ما قدمه العراق وشعبه للأمة على مدى تاريخه الطويل، فهل من المنطقي أن يفتح العرب معاهدهم العسكرية لتدريب الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الحكومية ، التي تورط بعضها في قتل المواطن العراقي من أجل الحصول على أموال مقابل التدريب، بينما كان العراق يفتح جامعاته وأكاديمياته العسكرية أمام الطلبة العرب دون مقابل ؟ ، لكننا نقول أيضا بأن بعض الدول العربية الشقيقة استضافت الاف العراقيين الذين فروا من جحيم الاحتلال واعمال العنف وتحملت عبئا اقتصاديا كبيرا .

*الهيئة نت : هل تعتقد أن مدينة كركوك ستكون فتيلا لحرب أهلية في العراق؟ وما هو الحل لمشكلة هذه المدينة ؟

// الدكتور عبد الله: عرفت كركوك ومنذ زمن طويل بأنها مدينة انصهرت فيها العادات والتقاليد لمختلف القوميات العراقية والمذاهب والأديان، وكان كل طرف يشارك الآخر في أحياء مناسباته والاحتفال بها في أروع تلاحم أخوي، فكان العراقي الذي يوفد إلى كركوك أو ينقل للعمل فيها يستقر فيها ولا يغادرها حتى بعد انتهاء فترة عمله ما نجم عنه كثرة الاختلاط الاجتماعي والعائلي فيها بسبب تلك الأجواء الايجابية، لكن ما لحق بكركوك هو جزء مما لحق بالعراق ككل بفعل المحتل وأعوانه، حتى باتت اليوم وكأنها الفتيل الذي سيشعل الحرب الأهلية في هذا البلد ، خلافا لإرادة سكانها الذين يرفضون ذلك تماما، ما يشير وبوضوح إلى أن هذه الطبقة السياسية بعيدة تماما عن أرض الواقع، وهي لا تستمع إلى صوت الشعب أطلاقا، بل هي تستمع إلى صوت الباطل الكامن في نفوسهم. 
لقد بقي تاريخ كركوك ناصعا منذ فترة طويلة وعاش أهلها في ود ووئام وسلام، أذن ما الذي سيضيفه إلى أهلها انتقال هذه المدينة إلى سيطرة هذا الطرف أو ذاك؟ وإذا كانت ملامح هذا الانتقال تحمل معها نذير شؤم وقتال بين الأهل فما الذي سيكسبه الآخرون من وراء أهدار الدماء العراقية؟ أم أن النفط الذي فيها أغلى من دماء أهلها حسب تقدير السياسيين الذين يحاولون بث الفرقة بين النسيج الاجتماعي؟.
اذن فالحل لمشكلة كركوك هو أبقاء الوضع القائم فيها على حاله، ومنع الأجندات الطائفية والقومية من التغلغل فيها، والإصرار على بقائها بعيدة عن التبعية لأية جهة سياسية.

*الهيئة نت : كيف تنظرون الى وثائق ويكيليكس، وهل كانت مفاجئة لكم؟

// الدكتور عبد الله: بغض النظر ان كانت هنالك دوافع سياسية وراء نشر وثائق ويكيليكس او عدمها، فأننا نعتقد بأنها أضافت مصداقية كبيرة إلى تصريحات القوى المناهضة للعملية السياسية التي نبهت منذ أكثر من سبع سنوات إلى أن الشعب العراقي يتعرض إلى عملية إبادة جماعية على يد المحتل والمشاركين في العملية السياسية الحالية المتعاونة معه، والتي ثبت حسب هذه الوثائق أن بعضهم كان قد جعل من السلطة وسيلة لإطلاق يد عصاباته الإجرامية وفرق الموت التي يتزعمها كي تصفي المعارضين والخصوم السياسيين والأبرياء أيضا.
يقينا أن هذه الوثائق لم تكن مفاجئة لنا فقد كنا شهود واقع على كل الذي جرى في العراق منذ اليوم الأول لدخول قوات الاحتلال ، وتعرضنا إلى ما تعرض له ابناء الشعب العراقي كافة، وكانت حساباتنا وتوقعاتنا تشير إلى الذي حصل مستندين في ذلك على دراستنا للتاريخ وطبائع المستعمرين الذين لا يعرفون غير مصلحتهم.

*الهيئة نت : ما هو المخرج من ألازمة التي يمر بها العراق حاليا ؟

// الدكتور عبد الله: نعتقد بأن الخروج من الأزمة الحالية التي يمر بها الإنسان العراقي ، تتلخص بالثبات على المبادئ التي آمن بها والتي على أساسها شيد حضارته قبل آلاف السنين، وهي التمسك بالوطن الواحد والشعب الواحد ونبذ كل ما يفرق وحدة الصف، والإيمان المطلق بأن الخلاص هو بالمقاومة التي لن يفهم غيرها المستعمر، لان المقاومة تعني وقوف الإنسان ضد الظلم واغتصاب الحقوق، وهي فعل أسبغت عليه الشرعية قوانين الأرض والسماء.

*الهيئة نت : ما هو تقيمكم للأداء السياسي لهيئة علماء المسلمين ؟

// الدكتور عبد الله: أن هيئة علماء المسلمين في العراق كانت ولازالت فصيلا مجاهدا ضد الاحتلال وأعوانه، وما يميزها حقا عن غيرها من الفصائل هو هذا الإصرار الواضح والصبور على الخط المقاوم الذي انتهجته، حتى بات المراقب السياسي ودون أن يجهد نفسه في البحث والتمحيص، انه يجد الخط البياني لها في مقاومة الاحتلال خالي من منحنيات الهبوط، ونحن نعتقد بأن الشعب العراقي اليوم بحاجة ماسة إلى هكذا مواقف، لأنها تؤسس لثقافة المقاومة التي نحن في أمس الحاجة إليها في ظل هذه الهجمة الإعلامية الكبيرة، التي تحاول تشويه صورة المقاومة الناصعة. 

*الهيئة نت : ماذا تقول للشعب العراقي ومقاومته الباسلة ؟

// الدكتور عبد الله: نقول للشعب العراقي بأن الليلة الظلماء التي يمر بها اليوم ليست الليلة ألاولى في تاريخه العريق، فقد مر المغول والتتار والفرس والانكليز وغيرهم على ثرى أرض العراق الطاهرة، وكل كان له فعله المعروف من قتل وتدمير وحرق وسلب ونهب، لكنهم جميعا رحلوا إلى مزبلة التاريخ وبقي العراق الواحد الموحد، والصفحة الحالية سيسجلها التاريخ لهم بأنهم أذلوا أقوى قوة عالمية في الوجود، وتركوها تلعق جراحها وتحاول الهروب اليوم قبل الغد، على الرغم مما أصابهم منها من أذى وما دفعوا من تضحيات، فالصبر والمطاولة هي التي تصنع التاريخ.
أما المقاومة العراقية البطلة فقد كانت معجزة التاريخ العربي والإسلامي والإنساني على الإطلاق، لأنها أول مقاومة في التاريخ تخرج تقاتل الغزاة والمستعمرين وهي عارية الصدر والظهر والرأس، بدون دعم أقليمي او حماية دولية ، لأنها برزت في عصر أحادية القطب الذي فرض عليها القتال وحيدة، فقطع المقاتلون من لقمة أطفالهم سعر الاطلاقة والقذيفة التي قاتلوا بها المحتلين الغزاة، وكان لها الشرف في أنها لم تحسب على أية جهة، فحافظت على استقلاليتها وحمت نفسها من المساومات الدولية والإقليمية.

*الهيئة نت : شكرا جزيلا على هذا الحوار المهم جدا في هذه المرحلة .

// الدكتور عبدالله : اهلا وسهلا وبارك الله فيكم .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى