الوزارات العراقية للبيع، منْ يشتري؟!






بفضل التطور الهائل في الاتصالات صار العالم اليوم قرية صغيرة، وهذا التطور في التواصل، قاد إلى ثورة تجارية وصناعية في عموم العالم، وشمل كافة الميادين السياسية والاقتصادية وغيرها، وبات كل ما يحلم به الإنسان يمكن أن يشتريه عبر الانترنت، وكما هو معروف للجميع أن المال هو العامل الأهم في الاقتصاديات، وأحياناً في السياسة، وتحديداً في فترات الانتخابات البرلمانية في بعض الدول الفقيرة، حيث يحاول بعض المرشحين "الضعفاء" شراء ذمم وأصوات الناخبين عبر دفع الأموال، أو البطانيات، أو المراوح وغيرها من الضروريات التي تختلف من مكان إلى آخر، وهذا ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق.


وبالمقابل فإننا اليوم أمام حالة نادرة -بل مستحيلة- في عملية تشكيل الوزارات في العالم، حيث إننا لم نسمع بمزاد، أو بازار لبيع الوزارات، في أي مكان في العالم إلا في العراق "الديمقراطي الاتحادي الجديد"، حيث تستمر الآن في بلادنا المفاوضات "التجارية السياسية" من أجل بيع الوزارات الأكثر ربحاً في العملية السياسية الديمقراطية، وهي حالة نادرة في التاريخ السياسي العراقي، والانتخابي في العالم، وأسعار الوزارات تختلف بحسب المردود المالي للوزارة، وأن الوزارات التي تدر أرباحا للـ"دولة" تكون أسعارها خيالية كالنفط والتجارة والدفاع والداخلية والمالية.

وحتى لا يقال إننا نبالغ، أو نتهم من غير دليل، أو هو نوع من التحامل فإنني سأذكر كلام النائبة عن القائمة العراقية (وحدة الجميلي)، والتي حذرت يوم 23/ 11/ 2010، من إبرام صفقات مالية بين الكتل السياسية لبيع الوزارات، وأن هنالك صفقات مالية، خلف الكواليس، خلال عملية توزيع الوزارات بين الكتل السياسية، وأن الوزارات الأمنية وبالأخص الدفاع والداخلية تباع وبأرقام خيالية قد تصل قيمة الواحدة منها إلى (5) ملايين دولار، فيما بلغ سعر وزارات الإسكان والنقل والصحة والبلديات بين (3,5) إلى (4) ملايين دولار، نظراً للعقود والمناقصات التي تنطوي عليها؟!!

مصادر سياسية عراقية مطلعة قالت إن نواباً وسياسيين نافذين ومقربين من رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي، هم من يقومون بإدارة هذه العملية، مقابل ما يسمونها بـ (الهدايا).

وفي هذا السياق كشفت مصادر سياسية موثوقة لوكالة (أور) الإخبارية العراقية يوم 29/ 11/ 2010 عن وجود سوق سرية لبيع وشراء الحقائب الوزارية، وأن هذه السوق ازدهرت ونشط عملها قبل أن يتم التكليف الرسمي من قبل الرئيس الحالي جلال طالباني لـ"نوري المالكي" بتشكيل الحكومة، وان هذه السوق يكثر فيها السماسرة وذلك لتسهيل عمليات البيع والشراء، وأنهم قسموا الوزارات إلى مربحة وغير مربحة، ومربحة جدا وأخرى مربحة بصورة اعتيادية، وفي ضوء ذلك يتم التعامل مع البائع والمشتري وتحديد الأسعار وعقد الصفقة.

هذه الصورة هي بعض الحقيقة المؤلمة من المأساة الديمقراطية التي يرفض ساسة المنطقة الخضراء توصيفها إلا بأوصاف الكمال والتمام؟!!

الوزارات في دنيا السياسية في أرجاء الكرة الأرضية تنهار وتسقط لقضايا تعد قياساً بما يجري في الغابة العراقية من الحسنات، بل من المكارم التي تُنعم بها تلك الحكومات على شعوبها، والوزارات في بقية دول العالم يتم تشكيلها اعتمادا على النزاهة والمهنية في شخص الوزير، وليس على اعتبارات حزبية وطائفية مقيتة، كما يقع اليوم في بلاد الرافدين المختطفة.

وللتأريخ نذكر أن هذه الحادثة ليست الأولى في التاريخ السياسي الحديث للعراق الديمقراطي، حيث سبق أن بيعت وزارة الدفاع في حكومة المالكي السابقة من قبل ثلاث شخصيات قيادية معروفة لأغلب العراقيين.

وبمناسبة هذه المهزلة التجارية السياسية الديمقراطية نُذكر بالقسم الدستوري الذي ذكر في المادة"48": "اقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاص، وان أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، واسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته، ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانة وحياد، والله على ما أقول شهيد".

ومن الأهمية بمكان التذكير بالمادة (74) من الدستور العراقي المؤقت عام 1963 حيث جاء فيها: "لا يجوز لرئيس الوزراء، أو نوّابه، أو الوزير أثناء توليه منصبه أن يزاول مهنة حرة، أو عملاً تجارياً، أو مالياً، أو صناعياً، أو أي عمل اقتصادي آخر، أو أن يشتري، أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة، أو يؤجرها، أو يبيعها شيئاً من أمواله، أو أن يقايضها عليه".

فكيف الحال إذا كانت الوزارة نفسها هي الصفقة الأهم في حياة السيد الوزير "المخلص المتفاني لخدمة البلاد والعباد"؟!!

هذا هو حال العراق الديمقراطي اليوم، فأين هذا القسم الذي سيردده الوزير المنتخب" التاجر" في الحكومة المقبلة، وأين قولهم: "والله على ما أقول شهيد"، من كارثة السرقات والهدر الدقيق والمستمر للمال العام، هي كارثة بما تحمله هذه الكلمة من معان، وإلا كيف نفسر أن الوزارات تباع في بلاد يقول ساستها إنهم يبنون دولة جديدة؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!