الدولة العراقية الجديدة




حينما نتكلم عن العراق قبل عام 2003، فإننا لا نتكلم عن دولة حزب معين، ولا شخصية محددة؛ لان العراق بلد الجميع من عرب وأكراد ومسيحيين ويزيديين وغيرهم، ولا يحق لأي حزب مهما كانت شعبيته، وانتماءاته الأيدلوجية أن يقول بأن العراق والعراقيين ملك له.


قبل الاحتلال كان العراق دولة ذات سيادة تامة، ودوره حيوي وفعال في الشرق الأوسط، بل وفي العالم، ولو لم يكن كذلك لما جيشت أمريكا القاصي والداني من أجل تدميره وتخريبه وتهديدها بإرجاعه إلى القرون الوسطى.

الحضارة العراقية تمتد إلى آلاف السنين قبل الميلاد، والعراقيون أول من كتبوا أشهر قوانين التعايش على الأرض، وهذا ما تشهد به مسلة حمورابي الملك البابلي المعروف، والتي هي عبارة عن قوانين وتشريعات، وعقوبات لمن يخترق القانون، ولقد ركزت على الزراعة، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات، وإتلاف الممتلكات وغيرها من القوانين التي تنظم الحياة على المعمورة.

المؤلم أننا نسمع هذه الأيام تصريحات بعيدة عن اللياقة، وفيها تزوير واضح للتاريخ العراقي العريق، مفادها أن ساسة المنطقة الخضراء يعملون من أجل بناء وتأسيس "الدولة العراقية"، نعم "تأسيس الدولة العراقية"، حيث أعلن رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي يوم 10/ 11/ 2010، في مؤتمر عقده التحالف الوطني في بغداد أن "يوم غد سيكون البداية لتأسيس الدولة العراقية، وليس فقط الحكومة العراقية".

وفي هذا الإطار أيضاً أكد رئيس تيار الإصلاح الوطني إبراهيم الجعفري على أن "العراق يمر بمرحلة تأسيس الدولة".

كلام المالكي والجعفري وغيرهما يأتي وكأنهم -أي ساسة المنطقة الخضراء- قد استلموا أرضاً جرداء قاحلة من الاحتلال، وبعدها اجتمعوا، وقرروا أن يبنوا عليها دولة لها كيان مستقل، وواضح بين الدول، تسمى "العراق الاتحادي"، أو "جمهورية العراق"، وإذا أردنا أن نسلم بهذه الفرضية فان همجية الاحتلال، ووشاية رجال المنطقة الخضراء هي التي قادت إلى تخريب وتدمير مؤسسات الدولة العراقية السابقة، وإلا فان الحقيقة الساطعة هي أن العراق بلد متميز في المنطقة وفي العالم، ولو لم يكن كذلك لما تم استهدافه واحتلاله.

مفهوم الدولة يرتكز على ثلاثة أركان: الركن الأول هو الشعب؛ لان الدولة هي تنظيم اجتماعي بشري، ولا يمكن قيام الدولة بدون وجود جماعة بشرية تعيش في حدود إقليمها، أما الركن الثاني فهو الإقليم أو الأرض، وهي رقعة جغرافية يقيم فيها أفراد شعبها على وجه الدوام والاستقرار، وأخيراً السلطة حيث إن قيام الدولة يتطلب وجود هيئة، أو سلطة عليا حاكمة وآمرة تعد ركيزة أساسية لكل تنظيم سياسي.

وبالنظر إلى هذه الركائز الثلاث نلاحظ في الحالة العراقية بعد عام 2003، أن الركيزتين الأولى والثانية (الشعب والأرض) لم تتغيرا، بينما البلاء كان في الركيزة الثالثة (السلطة)، وهي التي قادت إلى خراب العراق، وتدميره وتهجير أهله وقتلهم، على عكس غالبية حكومات العالم، التي تعمل من أجل سعادة ورفاهية شعوبها.

أية دولة تلك التي يراد لها أن تقام في العراق المحتل؟ وأي نظام يريد هؤلاء ترتيبه في "العراق الديمقراطي الجديد"، وهم أول من أطلق رصاصة الرحمة على الديمقراطية المزعومة، التي يتباهون بها في كل حين، حيث انقلب قادة الديمقراطية إلى رجال دولة، لكن دولة بوليسية دكتاتورية، وهذا ما أكدته الأشهر الأخيرة بانقلابهم على ديمقراطيتهم واغتصابها بأيديهم، وفي هذا السياق هدد الساسة الأكراد بالانسحاب في حال تنصل المالكي عن وعوده بتنفيذ المادة (140) الخطيرة على وحدة العراق وكيانه، والقائمة العراقية لم تتوقف عن التهديد بالانسحاب إذا لم تحصل على استحقاقاتها المتفق عليها مع المالكي والطالباني، ولا ندري بأية ديمقراطية يتباهون، ويتفاخرون؟!!

أعتقد أن مفهوم الدولة لدى هؤلاء هو مفهوم مبتور ومعاق، حيث إنهم ينظرون للأمر على انه مكسب حزبي في مرحلة لم يكونوا يحلمون بها، وبالنتيجة فكل منْ يقف بوجه تحقيقهم لآمالهم الضيقة فهو خائن لا يستحق الحياة، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي قدمه هؤلاء الساسة للعراق والعراقيين منذ احتلاله حتى الآن، وهل كانوا في مكان آخر حتى يتحدثوا اليوم عن تأسيس الدولة العراقية؟!!

العراق دولة غنية برجالها الأبطال، وبما منحها الخالق سبحانه وتعالى من ثروات طبيعية فوق الأرض وتحتها، وسيبقى العراق شامة في جبين الأمة، وسيلفظ التاريخ أولئك الغرباء العملاء الذين يدعون أنهم جاؤوا لبناء الدولة، بينما هم في الحقيقة الأرضة التي نخرت الجسد العراقي عبر تقاريرهم الباطلة لأعداء الأمة بخصوص امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وبالنتيجة احتلت البلاد، ودمرت البنى التحتية والفوقية للدولة لعراقية، وما زال هذا التخريب مستمراً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى