استتباب الأمن في جمهورية "المنطقة الخضراء"




الأحداث المؤلمة التي شهدتها العاصمة بغداد الأسبوع الماضي تؤكد ماكنا نردده دائما بخصوص هشاشة الأجهزة الأمنية، وضعفها على الرغم من أن أعدادها قد تجاوزت المليون.

والمحير في الأمر أن أحداثاً أبسط من هذه الكوارث كانت سببا في استقالة حكومات كاملة في بلدان أخرى، إلا أن الحال في جمهورية "المنطقة الخضراء" مختلف تماما، حيث إن الحكومة وقياداتها الأمنية تعلن بعد كل مجزرة، ومذبحة ينحر فيها المئات من العراقيين، بان" الأوضاع الأمنية مستتبة وتحت السيطرة"، وهذه العبارة تتكرر منذ عام 2003، وهذا ما أكده ليلة الأربعاء الماضي رئيس اللجان الأمنية في قاطع الرشيد "مالك السيد حسين"، حيث كرر مرارا عبارة أن "الأوضاع الأمنية مستتبة، وتحت السيطرة"، وكلما حاولت أن أجد تفسيراً لها، أجد نفسي عاجزا، حيث لا ندرك ما الذي تعنيه هذه العبارة، إلا إنني اليوم اقتنعت قناعة تامة أنهم يقصدون (أن المنطقة الخضراء في أمان، وأن الأوضاع فيها مستتبة، وهي تحت السيطرة، وأن ساسة العراق الجديد بخير، وهذا يعني أن كل ماعدا المنطقة الخضراء لا يعني شيئا لساستها، أو أنهم هم المخططون، والمنفذون لهذه العمليات الإجرامية، وبالنتيجة هي تحت السيطرة).

المؤلم أن الأجهزة الأمنية الحكومية الضعيفة، وغير الكفوءة، كانت سببا في إحداث كارثة حقيقية داخل الكنيسة، حيث إنها فشلت فشلا واضحاً في التعامل مع حادثة الاحتجاز الإجرامية، وبعد خمس ساعات من الحادثة اطل علينا وزير الدفاع عبد القادر العبيدي ليعلن انتهاء العملية بـ"نجاح، وقتل المسلحين، والمحصلة النهائية لعملية الاقتحام هي سبعة شهداء فقط"، وفي صباح اليوم التالي فوجئنا بأن الفرقة الذهبية التي نفذت ما أسماها الوزير العملية النوعية الناجحة بتحرير الرهائن قد خلفت ورائها أكثر من (58) قتيلا و(150) جريحا؟!! فأي نجاح هذا الذي أعلن عنه وزير الدفاع، وأي فرقة ذهبية هذه التي قتلت، وجرحت كل من كان في الكنيسة؟!!
الأجهزة الأمنية في بقية دول العالم تستنفر بكل طاقتها من اجل تخليص الرهائن، وبأقل الخسائر وتستعين أحيانا بخبراء من دول أخرى لهذا الغرض، إلا أن الفرقة "الذهبية" كانت فرقة إجرامية من الطراز الأول، وكانت سببا في مذبحة، ومجزرة لحقت بالمسيحيين الذي اثبتوا خلال المرحلة الماضية صدق انتماءهم لبلدهم العراق، وتلاحمهم المصيري مع بقية أبناء الشعب.
ونُذكر هنا بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي والذي أمر بالإسراع في معالجة ملف الرهائن، لأنه لا يريد ما يعكر صفو مسيره نحو رئاسة الحكومة القادمة، ولو كان ذلك على حساب أرواح الأبرياء؟!!.
شعبنا يرفض كل النداءات الداعية لهجرة المسيحيين من العراق؛ لأنهم جزء لا يتجزأ من الفسيفساء العراقية، وهم مكون أصيل ومهم في النسيج الاجتماعي، ولن أنسى رسالة صديقي المسيحي الذي عاتبني عندما قلت بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية المحتلة، أن المقاومة حققت 50% من النصر النهائي على الأعداء، حيث عاتبني قائلا إن المقاومة قد حققت 80% من الانتصار، وما بقي إلا الإعلان النهائي عنه، ولا ننسى مواقف المسيحيين في وقوفهم مع المسلمين في الدفاع عن المساجد، والجوامع في عموم العراق في مرحلة ما بعد احتلال بغداد، وتبرعاتهم السخية لأهالي مدينتي الفلوجة والنجف.
وبالعودة إلى الأوضاع الأمنية فان تفجيرات الثلاثاء الماضي أثبتت باليقين القاطع أن الاحتلال وعملائه فشلوا فشلا ذريعاً في تأسيس ما يدعونه "نظاما ديمقراطيا"؛ لأن أي نظام في العالم بحاجة إلى منظومة حماية، وهذا ما يفتقده العراق بعد عام 2003.
ومن الأهمية بمكان التركيز على أن الضحية، والخاسر الأول، والأخير في هذه التفجيرات هو المواطن العراقي المبتلى، بينما ينعم ساسة المنطقة الخضراء بالأمن والأمان وخيرات العراق الوفيرة، وهم على الرغم من ذلك خائبون في ابسط المهام المناطة بهم، حيث إنهم فشلو على كافة المستويات السياسية والخدمية والصحية وغيرها من الجوانب الضرورية لحياة الإنسان.
وعلى الرغم من خطورة الأحداث الأخيرة، إلا أن الأمل بالله تعالى أولاً، ثم بأبناء شعبنا بأن يفشلوا مشاريع الأشرار الهادفة لجر البلاد إلى مواجهات، وحروب هي في الحقيقة مواجهات ومناحرات سياسية، وسيبقى شعبنا متماسكاً على الرغم من عظم المؤامرة التي تحاك ضده؛ وذلك لان شعبنا شعب عريق، عرف منذ القدم بتنوع ثقافاته، وتماسك أهله، وتلاحمهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى