هل المشكلة في توقيت وثائق ويكيليكس أم قتل الأبرياء




التصريحات اليومية لرئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي، والتي يحاول من خلالها إظهار عدم ميوله لمكون معين من مكونات الشعب العراقي، والتي ربما انطلت على البعض من الذين لا يعرفون حقيقة وتاريخ الرجل، هي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن توجهات الحكومة وأجهزتها الأمنية والخدمية.


وتكررت من المالكي التصريحات "الموزونة" التي تؤكد انه لا يميز بين العراقيين، وأنه يعمل وفقا للقانون، ولا يوجد مكان للمشاعر في سياسته، وهذا الكلام لا ينطلي على أبناء شعبنا العراقي، وجاءت وثائق موقع ويكيلكس لتؤكد الحقائق الغائبة عن القلة القليلة من العراقيين، وعن أغلب الأخوة العرب، والأصدقاء الأجانب.

موقع ويكيليكس والذي نشر قبل أيام، نحو (400) ألف وثيقة سرية لجيش الاحتلال الأميركي حول حرب العراق، وهذه الوثائق تحدثت عن تسجيل أكثر من (300) حالة تعذيب، وأعمال عنف ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الأسرى، وأكثر من ألف عملية قتل من قبل القوات الحكومية، خلال الفترة الممتدة بين الأول من كانون الثاني 2004 و 13 كانون الأول 2009.

وهذا الأعداد هي أرقام بسيطة مقارنة بحقيقة المأساة التي وقعت على العراقيين.

القوى المناهضة للاحتلال كانت تنتقد المالكي والحكومات التي سبقته بكل صراحة الا انه البعض يظن ان ذلك من قبيل الحرب بين الطرفين، الا ان الوثائق التي نشرها الموقع وجهت اتهاماً مباشراً للمالكي بـالتورط في إدارة فرق القتل والتعذيب، مظهرة "وجهاً خفياً له، وهو يقود فرقاً عسكرية تنفذ أوامره، وتقوم بعمليات اغتيال واعتقال".

وتتضمن التقارير التي تغطي ست سنوات، إشارات إلى مقتل ما لا يقل عن ستة معتقلين في مراكز الاعتقال الحكومية، وقد وقعت معظم هذا الحوادث في فترة حكم القائد "الغيور" على العراقيين نوري المالكي، حيث أشارت مئات التقارير إلى تعرض اثنين من المعتقلين للضرب والحرق والجلد، مما يعطي انطباعا بأن هذه المعاملة كانت العادة وليست الاستثناء، وفي إحدى الحالات اشتبهت القوات الأميركية المحتلة في قيام ضباط بالجيش العراقي بقطع أصابع أحد المعتقلين وحرقها باستخدام مادة حمضية، كما كشفت الإفادات عن تعرض معتقلين للتصفية في أحد المعتقلات وهما مقيدي الأيدي.

وعلى الرغم من ذلك بقيت الحكومة تتكلم من خلال برج عال، حيث قال مكتب المالكي بعد نشر الوثائق أن الحكومة لن تظهر "أي تسامح عندما يتعلق الأمر بحقوق مواطنيها" وكأنها تنطلق من منطلقات جهلها بأي خروقات قد حدثت هنا أو هناك، وكأنها هي الحارس الأمين على الشعب.

والمدهش أن الحكومة لم تلتفت للكوارث التي تضمنتها الوثائق، ولم تهتم بالأبرياء الذي قضوا نحبهم جراء الظلم الحكومي في المعتقلات "القانونية التي تهدف للقضاء على الإرهابيين"، بل إن الذي أثار اهتمام الحكومة هي المعركة الانتخابية الجارية مع بقية مكونات العملية السياسية حيث قال المالكي إن نشر الوثائق في وقت لم تصل فيه المفاوضات تشكيل الحكومة إلى نتيجة حتى الآن هو توقيت مريب، واتهم هيئات إعلامية لم يسمها بمحاولة استخدامها لمهاجمة الحكومة المنتهية ولايتها، معتبراً التوقيت محاولة للإضرار بمجهوده لتشكيل حكومة جديدة في العراق عبر "تأجيج الغضب ضد الأحزاب الوطنية وزعمائها خصوصا ضد رئيس الوزراء".

المالكي لم يقف عند هذا الحد بل إتهم جهات لم يذكرها بالاسم باستخدام الوثائق التي نشرها موقع ويكيلييكس كأداة لمحاربته ومفاقمة الوضع السياسي.

قوات الاحتلال الأمريكية المسؤولة أمام القانون الدولي عن حماية العراقيين كانت على علم بكل عمليات التعذيب والتغييب والاعتقالات العشوائية، ولتأكيد هذه الحقيقة ذكر الموقع حادثة وقعت في ديسمبر (كانون الأول)، حيث تم ضبط 12 جنديا عراقيا، بينهم ضابط استخبارات، وتم تصويرهم، وهم يقومون بإطلاق النار على أحد المعتقلين الذي كان مقيد اليدين في مدينة تلعفر، والوثيقة التي تتحدث عن هذه الحادثة تقول إن التقارير لا تزال أولية؛ ومن غير الواضح ما إذا كانت قد تمت متابعة لها أم لا؟
فيما أشار تقرير آخر، إلى أن أحد المعتقلين كانت به كدمات على شكل الحذاء في منطقة الظهر، فيما أكد تقرير آخر وجود جروح على جسد معتقل آخر ناتجة عن تعرضه للضرب بلوح خشبي، كما تعرض معتقل آخر للإصابة في عينيه وأصيبت أذناه وأنفه بنزيف، وشوهدت كدمات على ذراعيه وظهره وساقيه، وقد قام الأميركيون بإبلاغ قائد الجيش الحكومي في المنطقة، لكنه لم يفتح تحقيقا بسبب عدم تورط أميركيين في الاعتداء.

وفي أغسطس (آب) 2006، سمع رقيب في جيش الاحتلال الأميركي في الرمادي ضجيجا في مركز يخضع للجيش الحكومي، وعندما دخل وجد ضابطا عراقيا يقوم بضرب أحد المعتقلين باستخدام كابل كهربائي أسفل قدمه، وقام الرقيب الأميركي بوقفه، لكنه شاهد الضابط نفسه يقوم في وقت لاحق بضرب محتجز آخر على مؤخرته بالأداة نفسها، ولم يظهر التقرير قيام قوات الاحتلال بملاحقة هؤلاء الذين يقومون بهذه الأعمال الإجرامية.

وضمن ممارساتهم الثابتة في الحرب النفسية ضد المعتقلين العراقيين، أظهرت الوثائق أن الأميركيين استخدموا في بعض الأحيان التهديد للمعتقلين بتسليمهم إلى السلطات العراقية التي ستقوم بالاعتداء عليهم، وذلك بهدف الحصول على معلومات من المعتقلين، وذكر تقرير أن أحد أفراد القوات الأميركية المحتلة هدد بإرسال أحد المعتقلين إلى لواء الذئب، وهي وحدة شرطة عراقية سيئة السمعة، وارتكبت الآلاف الجرائم بحق الأبرياء من العراقيين، إذا لم يقم بالإدلاء بما لديه من معلومات، وهذا دليل قطعي على علم القوات المحتلة بالجرائم المروعة التي ترتكبها الأجهزة الأمنية الحكومية في العراق الديمقراطي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005، وجد الجنود الأميركيون (95) محتجزا معصوبي الأعين بهم جروح وكسور في العظام، مكدسين فوق بعضهم البعض في أحد مراكز الاعتقال المؤقتة التابعة للشرطة العراقية، ولم تتخذ قوات الاحتلال أية إجراءات لوقف هذه الاعتداءات؟!!

والمؤلم انه وبعد كل هذه الجرائم يطل علينا الناطق باسم الحكومة، أو وزارتي الدفاع والداخلية لينقل لوسائل الإعلام قصة مفبركة جديدة تظهر أن احد المعتقلين قد وجد مقتولا، أو منتحرا في زنزانته، وضمن هذا الإطار وفي أغسطس (آب) 2009، أعلنت وحدة مغاوير الشرطة العراقية، أن أحد المعتقلين وجد منتحرا في زنزانته، ولكن علمية تشريح الجثة، التي تمت بحضور ممثلين عن القوات الأميركية المحتلة، أثبتت وجود كدمات وحروق على جسد المعتقل، فضلا عن إصابات واضحة على الذراع والرأس والجذع والساقين، والرقبة.

الحقائق التي أظهرها موقع ويكليكس لم تكن مفاجئة للعراقيين، حيث إن أبناء شعبنا يعرفون الآلاف القصص المروعة التي وقعت لأبنائهم وأبناء أقربائهم، أو أبناء الحي الذي يسكنون فيه، حيث إن القوات الحكومية، ومعها قوات الاحتلال الإجرامية الأمريكية استخدمت شتى السبل من أجل إجهاض المقاومة العراقية، وقتل روح التحدي لهم في بلادنا، ورغم كل هذه الأساليب الهمجية القاتلة إلا أن العراقيين صمدوا، وبكل شجاعة أمام آلة القتل الهمجي والتعذيب العشوائي؛ لأنهم يعلمون أن النصر لا يتحقق بالأماني بل لابد من تضحيات جسيمة ترافق السير إلى ميدان النصر النهائي، والذي بتنا قاب قوسين أو أدنى منه، وحينها ستنكشف الحقائق بصورة اكبر أمام الرأي العام العربي والعالمي ليعرف العالم حقيقة المأساة التي يعاني منها شعبنا بينما يدعي قادة الاحتلال، ورجال المنطقة الخضراء أنهم جاؤوا من اجل سعادة وحرية العراقيين، وهذا مالم يلمسه أبناء شعبنا منذ أن وطئت قوات الاحتلال ارض العراق وحتى اليوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!