العلاقة الجدلية بين العراقيين والفرح



العراقيون، ومنذ أن وطأت أقدام جنود الاحتلال الأمريكي أرض بلادهم، وهم يعانون الأمرين؛ بسبب ظلم واستهتار، واستخفاف تلك القوات - ومن جاء معها- بكل القيم، والأعراف، والتقاليد الأرضية والسماوية، وهذه الحقيقة أثبتتها سنوات الاحتلال العجاف التي ما زالت مستمرة منذ عام 2003، وحتى الساعة.
وأمام هذا الواقع المؤلم، نشأت تلك العلاقة الجدلية بين العراقيين والفرح، أو التمتع بالحياة، حيث إن التمتع بالحياة لا يكون إلا بتوفر الظروف المناسبة المؤهلة لحالة الفرح، بينما الحال على الارض لا يعكس أية أجواء مناسبة ليس للفرح فحسب، وإنما للحياة بحد ذاتها، ورغم هذه الصورة المرسومة بريشة الألم، تعايش العراقيون مع الحياة بأفراحها وأتراحها، ومُزجت فرحتهم برائحة البارود، وصرخات الثكالى، وأنين اليتامى، ولوعات الأمهات، وحسرات المعتقلين، وآلالام المغتربين المهجرين في الداخل والخارج.
حياة أغلب العراقيين خلطتها الحكومة، وأغلب أجهزتها الأمنية بالظلم الذي لا مثيل له، وآخر هذه الصيحات ما أكده لي شهود عيان - فضلوا عدم ذكر أسمائهم- وهم من منطقة المشاهدة شمالي بغداد، حيث أكدوا أن» قوات الفوج الرابع/ لواء (22) الفرقة السادسة، تمارس بحقهم أبشع أنواع التعذيب المنظمة، حيث يتم اجبار المعتقلين على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، فيما توجه فوهات البنادق على صدور نسائهم وأمهاتهم، وأيضاً يتم اجبار المعتقلين الذين يطلق سراحهم على الوشاية ضد سكان المنطقة، أو يتم ارجاعهم إلى المعتقل مرة ثانية»!
وفي بداية تشرين الأول/ اكتوبر 2012، اعتقلت الأجهزة الأمنية في محافظة ديالى الشاب (ابراهيم عادل صالح  الدليمي) من قرية خديدان في ناحية بني سعد؛ بتهمة اغتيال عائلة كاملة، وبعد أقل من (24) ساعة من الاعتقال، مات الرجل تحت التعذيب المستمر، وتم تعليق جثته على أحد أعمدة الكهرباء في الشارع العام، ومن ضمن الذين شاهدوا الجثة المعلقة أقرباء العائلة التي اغتيلت في الحادث الأثيم، والذين أكدوا أنهم يعرفون القتلة، وهذا الشخص ليس منهم!
فكيف يمكن لعائلة هذا الرجل المظلوم أن تتنعم بالحياة وفرحتها وقد قتل ابنهم من دون أي ذنب، أو دليل يؤكد ارتكابه لهذا الجرم؟!
والواقع أن هذه الصورة تمثل حال المئات من الذين قضوا في المعتقلات السرية والعلنية، بينما يعاني بقية المعتقلين من شتى صور الذل والهوان والإهمال الحكومي المنتشرة في بلاد الرافدين.
أما الأمراض فإنها صارت رفيق العراقيين، ففي يوم 31/10/2012، أكدت دراسة، مولتها جامعة مشيغان الأمريكية، ارتفاع نسبة التشوهات الخَلْقية في محافظة البصرة الجنوبية إلى (12) حالة تشوه لكل ألف ولادة مقارنة بـ(1.3) تشوها ولادياً في الألف عام 1994، وأن معدل تشوهات الدماغ بلغت في البصرة ستة أضعاف ما موجود في كاليفورنيا الأمريكية، برغم أن عدد نفوس الولاية الأمريكية يفوق عدد سكان البصرة كثيراً اذ يبلغ نحو (34) مليوناً، فيما لا تتجاوز البصرة حاجز المليونين.
الدراسة أكدت أن التشوهات الخلقية لدى الأطفال العراقيين لم تقتصر على البصرة اذ شملت قضاء الفلوجة في محافظة الانبار، حيث قام العلماء بدراسة (56) عائلة في مدينة الفلوجة، وكان نصف الأطفال في تلك العائلات يعاني من تشوه ولادي في الفترة بين الأعوام 2007 و 2010.
وفي يوم 31 /10 /2012، اعترف المفتش الأميركي العام (ستيوارت بوين) في تقريره ربع السنوي الأخير؛ بأن العام الجاري في العراق مليء بالمصاعب التي من مظاهرها انتشار العنف، بصورة متصاعدة، وأن ما لا يقل عن (854) شخصاً قتلوا، بينما جرح أكثر من (1640) آخرين في أعمال العنف المتمثلة بالتفجيرات والهجمات المسلحة المختلفة.
وفي خضم هذا الموج المتلاطم من الدماء البريئة، التي لا قيمة لها في ميزان ساسة المنطقة الخضراء، يتحدث بعض الساسة، وغيرهم عن ضرورة الابتعاد عن نقل الصور المؤلمة من الواقع العراقي، عند كتابة المقالات والتقارير التلفزيونية والصحفية. وكأنها دعوة صريحة لتزوير التاريخ! والاكتفاء بنقل الصورة التي تلتقطها عدسات الحكومة وأتباعها!
وبدلاً عن هذه الدعوة، هل سأل هؤلاء الساسة أنفسهم، ما الذي قدموه للعراقيين منذ عام 2003، وحتى الآن؟!
وأخيراً كيف يمكن أن تكتمل فرحة الناس، في بلاد يعيش الملايين من سكانها في المهاجر وخلف القضبان؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!