العيد في العراق الجديد



كيف يمكن أن نكتب عن العيد، ونحن بعيدون عن الوطن والأهل والأحبة. وهل يمكن للأموات أن يصفوا حال الأحياء وهم في عالم البرزخ، وهل يمكن للأحياء أن يصفوا مرحلة ما بعد الموت وهم ما يزالون في مرحلة الحياة؟! من المؤكد أن هذه الأمور لا يمكن أن توصف بسهولة.
يقول الاستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله: «لا تأتي ليلةُ العيد حتى يطلع في سمائها نجمان مختلفان، نجم سعود ونجم نحوس؛ أما الأول فللسعداء الذين أعدوا لأنفسهم صنوف الأردية والحلل، ولأولادهم اللعب، ولأضيافهم ألوان المطاعم والمشارب، ثم ناموا ليلتهم نوماً هادئاً مطمئنا تتطاير فيه الأحلام الجميلة حول أسرتهم، تطاير الحمائم البيضاء حول المروج الخضراء، وأما الثاني فللأشقياء الذين يبيتون ليلهم على مثل جمر الغضا، يئنون في فراشهم أنيناً يتصدَّع له القلب، ويذوب له الصخر، حزناً على أولادهم الواقفين بين أيديهم، يسألونهم بألسنتهم وأعينهم: ماذا أعدوا لهم في هذا اليوم من ثياب يُفاخرون بها أندادهم، ولعب جميلة يُزينون بها مناضدهم؟ فيُعللونهم بوعود يعلمون أنهم لا يستطيعون الوفاء بها».
العيد هو الحب والفرح والسرور والنور والبهجة ولقاء الأحبة، وفيه تلتئم العوائل، وينفق الناس أغلب ما يملكون من أجل لقاء ربما طال انتظاره، وهذا الكلام ينطبق على أغلب الناس إلا من غُلبوا على أمرهم من السجناء، والمعتقلين، والمهجرين.
وقبل أيام اتصلت بي سيدة فاضلة من العراق، وقالت لي أريد أن تكتب عن قصة ابننا المعتقل منذ ست سنوات الذي ترك عائلته المكونة من زوجته وأبنائها الثلاثة، وهم اليوم لا يملكون قوت يومهم، وتأتيهم معونات مالية ومادية من أقربائهم الذين يعانون أيضاً من صعوبة الحياة ومرارتها، ونحن لا ندري هل يمكن أن يعود إلينا بعد اليوم، أم أننا سنستلمه جثة هامدة في ساعة من المستقبل المخيف؟! وهذه هي حال مئات الآلاف من المظلومين في المعتقلات الحكومية العراقية.
والسجناء منهم من يستحق العقاب، ومنهم من ظلموا، وهذه الصورة الأخيرة تنطبق على العراقيين بعد عام 2003، حيث ملئت السجون بمئات الآلاف من الأبرياء الذين ينتظرون من ينصفهم من حكومة المنطقة الخضراء، التي وظفت القضاء لتحقيق أهدافها الطائفية والسياسية الضيقة.
وقبل العيد، انتظر العراقيون مهزلة ما يسمى العفو العام بفارغ الصبر، الذي لم ير النور حتى الساعة، والنتيجة استمرار الظلم في المعتقلات السرية والعلنية، وبالمقابل بقيت مأساة عائلات المعتقلين الذين لا حول لهم ولا قوة، حيث لا يجدون من يُنفق عليهم، بعدما غُيب أوليائهم خلف القضبان؛ بسبب وشايات المخبر السري، وظلم أغلب الأجهزة الأمنية الحكومية.
والعيد هو الواحة التي يتفنن الناس في رسمها وتلوينها، لكن عائلات المعتقلين لا مكان لهم في قافلة الفرح التي تسير خلال أيام العيد؛ لأن آبائهم وإخوانهم، وأحياناً امهاتهم واخواتهم، ما زالوا حتى الساعة مكبلين بالظلم والحزن والأسى، وهذه الصور المأساوية انتقلت إلى عائلاتهم التي لا تعرف إلى أين تتجه، ومن الذي ينصفهم من جلاديهم؟!
ولا يمكن في هذه المواقف المؤلمة إلا أن نتذكر قصيدة الشاعر العباسي ابو الطيب المتنبي التي يقول في مطلعها:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
                     بمَا مَضَى أمْ بأمْـرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَـــهُمُ
                             فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَــــــهَا بِيدُ
وهكذا قتلت الديمقراطية المزيفة التي جاء بها الأمريكان وساسة المنطقة الخضراء، فرحة العيد، وبهجته، وسروره في النفس، والقلب، والخواطر!
هذا هو عيد العراقيين، وهذه هي حقيقة حياتهم، حيث إن العراق اليوم عبارة عن سجن كبير تقوده مجموعة من السجانيين يسمون أنفسهم حكومة، فإلى متى ستستمر هذه الحال في العراق المبتلى؟!
العيد هو الحرية والأمن والسلم والسلام والراحة والطمأنينة، فهل تحققت هذه المعاني في «العراق الجديد»؟ أم هذه هي الأخرى بحاجة إلى قرار برلماني، أو حكومي سيختلف عليه الساسة، ولن يتفقوا عليه إلا بعد أن تذهب أيامنا هباءً منثوراً!
عموماً، ورغم الألم، نقول للعراق وللعراقيين: كل عام وأنتم بألف الف خير.
كل عام ودجلة والفرات ينبضان بالحب والعطاء والخير والطيب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى