النشيد الوطني العراق


يمثل النشيد الوطني في عالم السياسة اليوم جزءً لا يمكن تجاهله ضمن الاتيكيت الدبلوماسي خلال الزيارات الرسمية للمسؤولين، وربما تكون قضية عدم عزف النشيد الوطني لأي بلد حين زيارة مسؤول ما لبلد آخر، أو حتى في مباراة لكرة القدم، ربما تكون سبباً لأزمة سياسية تتطلب اعتذاراً من الطرف المقصر في هذا الاتيكيت الدبلوماسي.

والنشيد الوطني، في الغالب، هو مجموعة أبيات شعرية يتم تلحينها، وتشير إلى تاريخ البلد وتتغنى بأمجاد الأجداد وببطولاتهم، ولتأكيد هذا الارتباط بين السابقين واللاحقين يعزف النشيد الوطني في المناسبات الوطنية وفي المدارس، وفي بعض البلدان قد يعزف النشيد قبل العروض المسرحية والسينمائية.

وفي عالم السياسة هنالك اولويات للقضايا التي تعالجها الحكومات، والأولية دائماً تكون للأمن والغذاء والدواء والسكن، وتؤجل القضايا الثانوية في المراحل الانتقالية او المراحل الحرجة. 

والعراق من البلدان التي صارت قضية النشيد الوطني فيه سبباً للعديد من الأزمات السياسية، ولم يفلح ساسته، كما هي حالهم في جميع القرارات من الاتفاق على تغيير النشيد الحالي للبلاد، من الاتفاق على النشيد الوطني للعراق الجديد.

النشيد العراقي الحالي هو قصيدة الشاعر العربي الفلسطيني ابراهيم طوقان:( موطني)، والحان الفنان اللبناني الموسيقار محمد فليفل، وتم اعتماد هذا النشيد من قبل الحاكم المدني الأمريكي للعراق بعد عام 2003، بول بريمر، وذلك بديلاً عن النشيد الوطني السابق الذي كتب كلماته الشاعر شفيق الكمالي، ولحنه الفنان اللبناني وليد غلمية، والذي كان مطلعه:

وطن مد على الأفق جناحا

وارتدى مجد الحضارات وشاحا

بوركت أرض الفراتين وطن

عبقري المجد عزما وسماحا.

المادة (12) من الدستور العراقي تنص:أولاً: يُنظم بقانون، عَلم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي. 

وساسة العراق “الجديد” أرادوا تغيير كل شيء، بعد أن نشروا “الأمن والأمان والحرية والديمقراطية والرفاهية” في عموم الوطن، وصلت أعمالهم “الجبارة” إلى قضية تغيير النشيد الوطني الحالي. 

والغريب أن بعض أعضاء مجلس النواب الحالي لا يعرفون من هو الشاعر الذي كتب قصيدة النشيد الوطني المعتمد حالياً في العراق، وهذا ما أكده رئيس لجنة الثقافة البرلمانية (علي الشلاه) في لقاء مع صحيفة “المدى” المحلية، حيث قال:- “إن البعض من أعضاء المجلس لم يكونوا على معرفة بأن النشيد الوطني الحالي “موطني” هو قصيدة لشاعر غير عراقي، وهو النشيد الرسمي للسلطة الفلسطينية”.!

والواقع إن نشيد السلطة الفلسطينية هو نشيد “فدائي” وهو من تأليف الشاعر الفلسطيني سعيد المزين (فتى الثورة)، وتلحين الموسيقار المصري علي إسماعيل، وهذا يُظهر مدى الجهل المطبق عند هؤلاء النواب!

وكشف الشلاه أن “لجنة الثقافة البرلمانية اختارت ثلاثة نصوص شعرية: الأول “سلام على هضبات العراق”، للشاعر محمد مهدي الجواهري، الثاني “الشمس أجمل في بلادي من سواها”، وهو مقطع من قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب، أما الثالث فهو “وطني والحق يؤيده” للشاعر محمد مهدي البصير، وأن “هناك تعديلا تم إجراؤه على النشيد الوطني الجديد، وهو إضافة كلمة عاش العراق بالعربية والكردية والتركمانية والآشورية”، وأن “هذه الخطوة يراد منها جعل النشيد الوطني ضاماً لجميع مكونات الشعب العراقي”.

وعلى العكس من ذلك تماماً أكد النائب عن التحالف الوطني قاسم الأعرجي أن “هذا القانون سيكون موضع نزاع وخلاف في داخل مجلس النواب لاسيما أن أغلب أعضاء مجلس النواب لديهم الرغبة في الإبقاء على نشيد “موطني”. وجمعت القائمة العراقية، أكثر من خمسين توقيعاً لرفض النشيد الوطني الجديد والإبقاء على النشيد الحالي!

أما الأكراد فإنهم، وبحسب النائب عن التحالف الكردستاني محما خليل، يريدون “بيتاً شعرياً واحداً يكتب باللغة الكردية في آخر القصيدة التي سوف يصوت عليها مجلس النواب لتكون نشيدا وطنياً ورسمياً للعراق”! 

وهكذا تستمر الخلافات على القضايا الرئيسية والثانوية في الوقت الذي يموج فيه العراق بموجة لا ترحم من التفجيرات والاغتيالات والاعتقالات.

فإلى متى ستستمر سياسة الضياع في العراق “الجديد”؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى