الكلمة الحرة أشد على الاحتلال من الرصاص




في وقت المحن والشدائد، والابتلاءات، والمواقف الصعبة يمتاز الرجال، وتوضع النقاط على الحروف، ويتكشف الليل عن النهار، ويعرف الغث من السمين.

والعراقيون بعد عام 2003، تباينت مواقفهم من الحالة الجديدة التي أمامهم، وأقصد الاحتلال الذي خرب، ودمر، وقتل الأبرياء بدم بارد، ومن العراقيين من صفق للمحتل، وهم القلة القليلة، ومنهم من وقف بوجهه بكل بسالة وعنفوان، وهم الأغلبية.
وتنوعت وسائل المقاومة للمحتل بين السلاح، والكلمة، والموقف، وظهرت هنا وهناك أصوات وأقلام حرة مناضلة سطرت بكلماتها، وبحناجرها سدودا منيعة من المقاومة للاحتلال، وأعوانه، ومشاريعه التخريبية الطائفية الفئوية التقسيمية الخبيثة.
هذه المقاومة ضد المحتل، وأقصد المقاومة الإعلامية عبر الكلمة، والصورة المعبرة التي تعكس وحشيته وحقده الدفين على كل شيء في بلادنا.
وهذا الموقف البطولي دفع رجال الإعلام ثمنه من أرواحهم الطاهرة، ودمائهم الزكية، وحرياتهم، وقد ذكرت إحصائيات نشرها التقرير السنوي للجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين بتاريخ 2009/12/29، أن أكثر من(247) صحفيا قتلوا في العراق، بعد عام 2003، وانه تم رصد مئات الانتهاكات بحقهم من قبل قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية الحكومية ومن الحمايات الخاصة بالمسؤولين.
العراق اليوم غابة لا يعرف فيها منْ هو العدو؟ ومنْ هو الصديق؟ ومنْ هو المستهدف؟
وكل ما يدب على الأرض، هو هدف لقوى الشر والظلام، التي لا تريد للعراق، ولا للعراقيين خيراً، وفي وسط هذه العتمة القاتلة، وهذا الظلام الدامس، وهذا الظلم الوحشي، انبرى رجال أشداء بأقلامهم، وكلماتهم الصادقة الحقيقية ليقفوا بوجه ظلم اعتى قوة على وجه الأرض، (الولايات المتحدة الأمريكية)، وقفوا لها بالمرصاد، وسجلوا كل صغيرة وكبيرة من جرائم جيشها الوحشي على أرض العراق، وبالمقابل كان رجال الكلمة الحرة، عرضة للقتل، والاغتيال، والاختطاف، والابتزاز، والتغييب، وهم على الرغم من كل هذه المخاطر صابرون صامدون، لا تأخذهم في الله لومة لائم، إنهم رجال البصائر.
وبمناسبة الذكرى الثامنة لصدور صحيفة البصائر، أقول إن رجالها هم أبطال الكلمة المدوية، والصورة العاكسة للواقع العراقي المرير، هؤلاء الرجال الذين وقفوا وهم يحملون أقلامهم على أكتافهم، هم رجال صحيفة البصائر الناطقة باسم هيئة علماء المسلمين، حيث كان لها ولرجالها صولة وجولة مع المحتل في هذا الميدان الحيوي.
صحيفة البصائر الحبيبة، التي ترعرعنا بين صفحاتها، وتعلمنا منها، وتحملتنا بصبر وتضحية، مثلما تحملناها، هي حالة فريدة، ومثالية من تبادل الأدوار بيننا وبينها، فهي تحملت أخطاءنا، وصبرت عليها، وتحملنا ما لحق بنا بسببها، من اعتقال، وتهجير، وتغريب عن الوطن.
البصائر - أيها السادة - هي ليست مجموعة من الأوراق التي كتبت عليها كلمات تعكس حقيقة الظلم في بلاد الرافدين فقط، أبدا هي روح تسري في المجتمع، هي أمنا وعشيرتنا، وموقفنا، ومبادؤنا؛ لأنها كانت المركب الذي أوصلنا من خلاله رسالتنا إلى العالم.
وكانت البصائر الحبيبة على الرغم من كل هذه المخاطر تنشر شذاها في المساجد والمكتبات، وتتلقفها الأيادي كأنها منشور سري في زمن الديمقراطية الكاذبة الزائفة.
البصائر هي صوت الحق إلى كل الناس، تنادي بالناس بلسان عربي فصيح، أنا ضد المحتل، وضد عملائه، وضد كل من يقف مع المحتل ضد العراق والعراقيين، وضد كل من لا يحب العراق، وتقول أيضا أنا مع كل من يحب دجلة والفرات، ومن لا يحبهما، فهو خائن عميل لا يستحق أن يشرب منهما قطرة ماء؟!!
الكلمة الحرة أشد على الاحتلال، وأعوانه من الرصاص؛ لأنها تبني فكرة، والفكرة تنهض الهمم، والهمة تقود إلى الأفعال، وهذا يؤدي إلى مقاومة شرسة ضد الاحتلال الحاقد، وعملائه ، ولهذا استهدف رجال الكلمة الحرة في العراق.
ومن الإنصاف القول إن هذا الموقف لا يحسب لرجال البصائر فقط، بل لكل من وقف ضد المحتل بكلمته وبحنجرته، وبكاميرته من زملائنا الصحفيين.
تحية لرجال الكلمة الحرة في ربوع بلادي، وأقول لهم ستسجل مواقفكم الخيرة بماء الذهب، وستنتصر إرادة الشعوب الحرة على آلة الحرب الأمريكية الحاقدة، مهما طال الزمان، وان غدا لناظره قريب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى