اختطافات واغتيالات في ربوع العراق «الديمقراطي»
حدثني صديقي الذي وصل من بغداد قبل أيام عن واقعة لا يمكن أن تصدق بسهولة؛ لأن البعض قد يظن أننا نبالغ حينما نتكلم عن الواقع المرير في بلادنا، والرجل من الثقات، وهو أستاذ جامعي بعيد كل البعد عن الافتراء، وهو من المنصفين، حيث أخبرني أنه اختطف أثناء مراجعته لإحدى الدوائر الحكومية، وحادثة اختطافه وقعت بعد أن تعرض لسرقة محفظته الشخصية، وحينما تعرف على السارق، وهو الضابط المسؤول عن الحماية في تلك الدائرة الحكومية، وطالبهم باسترداد محفظته مع الأوراق المهمة الموجودة بداخلها، وجد الرجل نفسه محاطاً بمجموعة من العسكريين الذين اقتادوه بسيارة مسلحة إلى جهة مجهولة، وبقي دون طعام ولا شراب لأكثر من عشرين ساعة، وبعد ذلك طلب منهم الذهاب إلى الحمام الموجود في خارج المنزل، وفي هذه الأثناء تمكن من ضرب الرجل الذي كان برفقته، والهروب من خلال السياج الخارجي للمنزل، وحاول الخاطفون بعدها اللحاق به، إلا أنه تمكن من ركوب سيارة للأجرة كانت قريبة من مكان الاختطاف، لينجو بذلك بأعجوبة من خاطفيه!!!.
والغريب في الأمر أن الدار التي كانت محلا للاختطاف تقع بجوار المركز الأمني في إحدى المناطق وسط العاصمة بغداد.
وبالأمس، وبالتحديد بتاريخ 17/7/2010، سمعنا بحادثة جديدة ضحيتها هذه المرة طالب عراقي من طلبة الفيزياء النووية في جامعة بغداد، حيث فتح مسلحون "مجهولون" النار على شاب في منطقة بغداد الجديدة عرف عنه نبوغه في مجال الفيزياء النووية، وأردوه قتيلاً على الفور، وهذه الحادثة تؤشر إلى احتمالات وجود نشاطات استخبارية تقوم بها دول أجنبية داخل العراق المستباح، وهذه الدوائر الاستخبارية تمارس أعمالها وفق إستراتيجية غاية في الدقة، فيما اكتفى مصدر أمني حكومي بالقول إن الشاب المغدور هو أحد طلبة قسم علوم الفيزياء، سبق وأن ابتكر بعض المكائن الحديثة المتخصصة في مجال تخصيب اليورانيوم بطريقة سلمية، فضلاً عن استعمالات بعض مجالاتها في السيطرة على عملية التفاعلات النووية.
هذا الحوادث اليومية تأتي في الوقت الذي تتشبث فيه القيادات السياسية في البلاد بمناصبها، وكأنها المنقذ الوحيد للعراقيين من محنتهم، ويتفاخرون، في الوقت ذاته، بأنهم تمكنوا من تحسين الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وبتاريخ 3/7/2010 أكد مرصد الحقوق والحريات الدستورية في تقريره نصف السنوي ارتفاع ضحايا أعمال العنف التي شهدها العراق خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، وأن عدد ضحايا السيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأحزمة الناسفة وعمليات الاغتيال خلال الفترة المذكورة بلغ تسعة آلاف و(631) ضحية، من بينها ألفان و(405) قتلى، وسبعة آلاف و(163) جريحا، إضافة إلى (63) مخطوفا.
التقرير أشار إلى استمرار عمليات الاعتقالات العشوائية الظالمة وغير القانونية التي طالت آلاف العراقيين الأبرياء وإيداعهم السجون الحكومية، وأن الستة أشهر الماضية شهدت اعتقال ستة آلاف و(141) شخصا في عموم العراق، وكانت أوسع تلك الاعتقالات في محافظات "ديالى، والبصرة، وبغداد، ونينوى، وصلاح الدين، والأنبار، والتأميم".
هذه الفترة شهدت أيضاً جرائم وحشية راح ضحيتها العشرات من المعتقلين في سجون الحكومة الحالية بين قتيل وجريح؛ نتيجة ممارسات التعذيب والانتهاكات الصارخة التي تنتهجها الميليشيات الحكومية المشرفة على تلك السجون، حيث تم تسجيل وفاة اثنين من المعتقلين وبظروف غامضة في كل من محافظتي الأنبار وديالى، كما شهدت الفترة المذكورة وفاة سبعة معتقلين خنقا خلال نقلهم في عربتين حكوميتين من سجن التاجي شمال العاصمة بغداد إلى سجن التسفيرات في الرصافة، وأن آثار تعذيب بشعة وجدت على جثث عدد من السجناء الضحايا، فضلا عن تعرض (15) آخرين لإصابات ورضوض مختلفة، وإعياء شديد نتيجة تدافع المعتقلين داخل تلك العربات، وحسب ما أكد شهود عيان من أهالي الضحايا والمغدورين، وهذا يؤكد مدى إهمال المؤسسات القضائية والتنفيذية الحكومية لحقوق المعتقلين القانونية والإنسانية، إضافة إلى جهلها لمصير المئات من المعتقلين المغيبين في السجون السرية، والذين لا تعرف عوائلهم شيئا عنهم، فضلا عن حالات الانتحار التي حدثت داخل بعض السجون جراء المعاملة السيئة التي يتلقونها على أيدي المشرفين على تلك السجون.
هذا هو الحال في العراق "الديمقراطي" الجديد، فأين دور منظمات المجتمع المدني، وأين دور جمعيات حقوق الإنسان العالمية والعربية والمحلية، وأين دور أكثر من مليون رجل أمن من القوات الحكومية المنتشرة في الأحياء والمناطق السكنية، وميزانية وزارتي الدفاع والداخلية هي الأكبر بين الوزارات الحكومية الأخرى، في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة المنتهية ولايتها قدرتها على إدارة الملف الأمني في البلاد؟!!
وبعبارة بسيطة ومختصرة، إن حياة المواطن العراقي لا تعني شيئاً بالنسبة لقادة العراق الجديد؟!!
تعليقات
إرسال تعليق