لماذا جرت الانتخابات العراقية إذاً؟


بداية، وقبل الولوج في موضوع المقال، أقول إنني لم أشارك في الانتخابات الأخيرة؛ لأنني على يقين من أن الاحتلال باطل، وكل ما نتج عنه سقيم، ولا يمكن أن تقدم هذه الممارسات التي تسمى "ديمقراطية" خيرا للعراقيين؛ لأنها من صنع الاحتلال، ولم يشارك بها إلا الساسة الذين جاؤوا مع المحتل، أو الذين توهموا أن الحل في العملية السياسية، وموقف عدم المشاركة في الانتخابات امتازت به نسبة كبيرة من العراقيين المناهضين للاحتلال، وهذا في تقديري وسام عز وشرف في السجل الشخصي لهم.
ومنذ أن جرت الانتخاب النيابية في (7) آذار/ مارس ولغاية اليوم، لم يتمكن رجال المنطقة الخضراء من الاتفاق فيما بينهم بخصوص الرئاسات الثلاث (مجلس النواب، ورئاسة الوزراء، والجمهورية) ومن ذلك اليوم ونحن نراقب ما يمكن أن يحصل في الساحة، منْ سيشكل الحكومة، المالكي رئيس الحكومة المنتهية ولايته، أم علاوي الفائز بالانتخابات الأخيرة، ومنذ إعلان النتائج وحتى الساعة تحاول كتلة دولة القانون إيجاد تفسيرات ملتوية للدستور الذي كتب في ظل الاحتلال، من أجل تحقيق أهداف حزبية وفئوية وشخصية أكثر مع الزمن.
ومازلنا نسمع بتحالفات وهمية لم تر النور حتى الساعة، مرة بين ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي والائتلاف الوطني برئاسة عمار الحكيم والذي سمي "التحالف الوطني"، ومرة بين العراقية برئاسة إياد علاوي والائتلاف الوطني، هذا بالإضافة إلى التصريحات المتناقضة على مستوى القائمة الواحدة بخصوص التحالفات، حيث إن بعض أعضاء القائمة الفلانية يؤكدون تحالفهم مع الكتلة الأخرى، وفي نفس اليوم نجد أن نائبا آخراً من ذات الكتلة ينفي الخبر، بينما يقف الساسة الأكراد على التل وهم يطمعون في الاصطفاف مع منْ يحقق أحلامهم الوردية في بلاد تنهشها المصالح الحزبية والفئوية.
والغريب أن المحكمة الاتحادية تدخلت بشكل غير قانوني -كما يشخص ذلك الكثيرون من المختصين– فيما يتعلق بتفسيرها للكتلة الفائزة، وهذا ليس دفاعاً عن أحد، ولا مدحاً للعملية الانتخابية، وإنما هو من باب الحديث عن الواقع "الديمقراطي" المرير في البلاد، فالمعروف أن القوانين التي تحكم بلدان العالم لا يوجد فيها تفسيرات محتملة لمواد دستورية مفصلية، تضبطها صناديق الاقتراع، حيث أعلن القاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة بتاريخ 28/3/2010 أن الكتلة التي ستشكل الحكومة المقبلة بحسب الدستور هي المكونة من قائمة واحدة، أو قائمتين متوحدتين داخل مجلس النواب، وأن تعبير الكتلة النيابية الأكثر عددا يعني الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين، وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثم تكتلت في كلتة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب أيهما أكثر عددا. 
والمهم ملاحظة أن مدحت المحمود أوضح في توضيح المحكمة، أو بيانها أن تفسير هذه المادة 76 من الدستور جاء بعد ورود كتاب من رئيس الوزراء إلى المحكمة الاتحادية العليا طالبا تفسير تعبير (الكتلة النيابية الأكثر عددا) الوارد في المادة 76.
وقبل أيام اكتشفت المحكمة، تفسيرا جديداً، للمادة 76، حيث قال القاضي المحمود يوم 12/7/2010: إن المادة 76- أولا من الدستور نصت على أن (يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية).
وان النص الدستوري صريح في الإشارة إلى مرشح الكتلة النيابية الأكبر، وليس مرشح الكتلة الفائزة، وأن الكتلة البرلمانية الأكبر هي التي تحوز على أكثر عدد من المقاعد النيابية بعد تأدية اليمين الدستورية داخل مجلس النواب.
وعليه، إذا كان تفسير المحكمة لهذه المادة بهذه الطريقة الملتوية فلماذا جرت الانتخابات أصلا؟ ولماذا هذا التنافس على المقاعد بين علاوي والمالكي، طالما أن الأمر يمكن أن يحسم بعد الانتخابات بهذه الطريقة؟
هل هي نزوة ديمقراطية، أم هو الاستهزاء بملايين الناس هرباً من بطش وظلم وكيد الحكومة الحالية، وطمعاً في بعض التغيير القادم.
والحقيقة أن الذي يهمني من الأمر هو بيان أن "الديمقراطية" في العراق هي مهزلة لبست ثوب حرية الاختيار والتعبير، وإلا فإن ما يجري اليوم كشف الحقيقة المرة الداكنة، وهي أن الأحزاب الطائفية مستعدة لفتح نهر ثالث في البلاد، وهو نهر الدم العراقي البريء من أجل بقائها في سدة الحكم، بينما هم متحصنون في المنطقة الخضراء، والتي أظن أنها ستكون في يوم من الأيام المنطقة الجرداء، حيث سيعلن شعبنا ثورته على هذا الاستهتار والفوضى التي تعم البلاد من أقصاه إلى أقصاه.
Jasemj1967@yahoo.comهذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى