العراق: معارضة الأمس ومناهضة اليوم


المعارضة ليست حالة سلبية دائما، فالصراع الدائر بين الأيدلوجيات المختلفة يقود بالنتيجة إلى الاختلاف في النظر إلى المعطيات الموجودة على الأرض، وبالتالي إلى الاختلاف، ولا ينكر أن تكون هذه المعارضة عسكرية، أو سلمية، أو بكلا السبيلين، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من المعارضة، وإلا فإن المعارضة التي لا تمتلك صورة واضحة في أهدافها هي معارضة عبثية لا تأثير لها على الطرف الآخر.

وفي الحالة العراقية نجد أن قضية المعارضة قبل الاحتلال أخذت صورا عشوائية، واتخذت من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة مطية لتحقيق أهدافها، وقادت سياسات ما سميت بـ"المعارضة للنظام العراقي السابق" إلى تدمير واحتلال العراق، وتهجير الملايين، وقتل أكثر من مليون ونصف مليون عراقي، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المعتقلين في السجون السرية والعلنية.
والعراق حاله ـ حال جميع دول العالم ـ فيه قوى ساخطة على الأوضاع التي برزت بعد الاحتلال، وهذه القوى لا ترتضي لنفسها أن تسمى قوى "معارضة"، بل تقول إنها قوى مناهضة للاحتلال، وكل ما تمخض عنه، وذلك لأن المعارضة لا تكون إلا في ظل نظام شرعي معترف به، وهذا الأمر غير متحقق في الحالة العراقية في ظل وجود احتلال مغتصب، ومدمر، وحكومات منصبة من قبله، وكذلك على اعتبار أن المعارضة يمكن أن تكون بين القوى المتكافئة، وهي لا ترتضي لنفسها "أي القوى المناهضة للاحتلال ولعمليته السياسية" أن تقاس مع قوى جاءت مع الاحتلال، ولولا الاحتلال لما وجدت القوى الحاكمة في العراق اليوم نفسها على سدة الحكم، وهذا في تقديري هو حق طبيعي للتمييز بين القوى المختلفة على الساحة العراقية.
وكل متابع منصف للشأن العراقي يعرف أن ساسة العملية السياسة اليوم كانوا في دول معروفة للجميع، ومنها إيران وسوريا وغيرها من دول المنطقة، والتي كان البعض منها تربطه علاقات جيدة مع الحكومة العراقية ما قبل عام 2003، وعلى الرغم من ذلك بقيت تلك القوى تعمل ضد العراق، بل ساهمت ـ وبلا أدنى حياء ـ في احتلال العراق، وهي تتباهى اليوم بأنها قادت إلى ما فيه العراق من قتل وتخريب، وكانت مستعدة لقتل الملايين وتهجير المساكين من أجل استلام الحكم، وهذه ليست معارضة، بل خيانة للقيم والمبادئ التي ينبغي بكل من يدعي أنه من المعارضين أن يحمل بعضا منها؟!!
وحكومة المنطقة الخضراء تدعي أنها حكومة ديمقراطية، إلا أن سجون العراق، ومقابره تترجم هذه الديمقراطية على أنها ديمقراطية التصفيات، والتغييب، والاعتقال المنظم، وفي يوم 28/6/2010، طلبت حكومة المنطقة الخضراء من الجماهيرية الليبية طرد معارضيها مقابل تسليمها المعتقلين الليبيين في بغداد، وخيرت حكومة المالكي "ليبيا تسليمها آلاف المعارضين لها المقيمين على أراضيها منذ الاحتلال، أو ترحيلهم"، مقابل" تسليمها المتهمين بالإرهاب المعتقلين في سجون الحكومة العراقية من المتسللين الليبيين الذين وصلوا إلى العراق للمشاركة في الهجمات المسلحة، وتم القبض عليهم من القوات الأمريكية المحتلة وفق اتفاقية أمنية تعقد بين البلدين، وذلك خلال اجتماع عقده وزير الداخلية "العراقي" جواد البولاني في طرابلس مع اللواء عبد الفتاح العبيدي أمين اللجنة الشعبية العامة للأمن العام بليبيا".
هذه الأساليب البوليسية القمعية التي تنتهجها حكومة المنطقة الخضراء لا يمكن أن تؤتي ثمارا طيبة، بل على العكس من ذلك إنها ستزيد من إصرار القوى المناهضة للاحتلال على مواقفها المشرفة، وتؤكد حقيقة رجال المنطقة الخضراء، وأساليبهم القمعية لكل من لا يقف معهم، ولا يصفق لهم، وهل نسي هؤلاء أنهم كانوا في يوم من الأيام في مثل هذا الموقف، مع الفارق طبعا في الأساليب والمواقف بين القوتين.
أما تصور رجال المنطقة الخضراء أنهم تمكنوا من السيطرة على الأوضاع في بلاد الرافدين، فهذا وهم رسمه لهم شيطانهم الأكبر، والحقيقة المرة على قلوبهم هي أن مصيرهم هو مصير قوات الاحتلال التي سترزم أمتعتها في يوم من الأيام، بعد أن أجبرتها ضربات المقاومة العراقية على قرار الرحيل.
وهنا بودي أن أنصح رجال المنطقة الخضراء، ولوجه الله تعالى، أن يحضروا أنفسهم لهذه الساعة؛ لأن الشعب العراقي لن يرحمهم، وسيرجمهم، وسيثور عليهم في ثورة شعبية تعم العراق من أقصاه إلى أقصاه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى