هؤلاء الأبطال من أطفال العراق


الاحتلال في كل زمان ومكان يعمل - بعد أن يتمكن من الأرض - على أن ينشر بذور أحقاده وسياساته المدروسة لعقول الأجيال في البلد التي احتلها، وبأساليب ملتوية ومحبوكة بدقة، لتحقيق جملة من الأهداف الثقافية والفكرية والاقتصادية وغيرها من الأهداف بعيدة المدى غير المعلنة لحملته العسكرية؛ وهذا ما حصل عبر الاحتلالات المختلفة في العالم، وهذا ما يجري في العراق منذ احتلاله عام 2003، وحتى الساعة.
وأذكر في اليوم الأول الذي دخلت فيه قوات الاحتلال إلى مدينتنا، كيف كان أطفال الحي يركضون وراء تلك الدبابات بالأحذية والحجارة، وهم يلعنونهم ويطلبون منهم الخروج من بلادنا، بعد أن ظنوا أن العراقيين سيستقبلونهم بالورود والتصفيق.
وفي المقابل لم تتوقف جهود الاحتلال في محاولاته الحثيثة لاستمالة قلوب العراقيين بكل السبل النزيهة وغير النزيهة، واستمرت محاولاته تلك عبر بعض المنظمات التي تدعي أنها تقدم الخدمات الإنسانية للعراقيين، والهدف هو تحسين الصورة القبيحة التي تجسدت في ذاكرة العراقيين بسبب الأفعال الإجرامية المتكررة لتلك القوات الهمجية.
وتركزت محاولات الاحتلال على المدارس العراقية بكل مستوياتها، وذلك عبر حملات مدروسة ومنظمة، وهم على الرغم من كل الإغراءات التي يقدمونها لأطفالنا لم يفلحوا في تمرير مخططاتهم، ومن ضمن هذه المحاولات اقتحام قوات الاحتلال الأمريكي في يوم 20/5/2010 مدرسة النوارس الابتدائية الواقعة في قضاء الحويجة غرب محافظة التأميم بحجة توزيع الهدايا على الطلبة في آخر يوم من أيام الامتحانات النهائية، وكان للطلبة الصغار في أعمارهم، الكبار في موقفهم البطولي، وقفة شجاعة، إذ رفضوا أخذ الهدايا، وقالوا لهم بصوت واحد: "اخرجوا من مدرستنا؛ لأنكم محتلون لأرضنا، تعتقلون آباءنا وإخواننا وشعبنا، لا نريد هداياكم، نريد خروجكم من أرضنا".
الحادثة أظهرت أيضاً، معدن أزلام الاحتلال من المنتفعين من استمراره على أرضنا، حيث وجه (إبراهيم حسن جلد) عضو السلطة المحلية في قضاء الحويجة الذي كان برفقة قوات الغزو الأمريكية، وجه سيلاً من السباب والشتائم إلى التلاميذ، بسبب رفضهم قبول هدايا جنود الغزو الأمريكي، وتفوه بكلمات نابية، وألفاظ غير لائقة ضدهم!!!
الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال - ولا تزال - بحق العراقيين لم تقف عند حد معين، فهي مستمرة في كل حين، أما أساليب تلك الجرائم فهي مختلفة، فمرة باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وأخرى بالقتل المتعمد بحجة البحث عن الإرهابيين، وغيرها من الأساليب الإجرامية الانتقامية، وأعتقد أن ما ستظهره الأيام من جرائم أمريكية على أرض العراق سيندى لها جبين الإنسانية، وحينها يعرف العالم حجم الكارثة التي حلت بنا.
وقبل أيام، وتحديداً في يوم 29/3/2010، كشفت دراسة بريطانية قدمتها جامعة لندن، وعرضت على المؤتمر السنوي للجمعية الاقتصادية الملكية، استنادًا إلى بيانات صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء العراقي أن الأطفال دون سن الخامسة في محافظات جنوبي ووسط العراق كانوا أقصر قامة بمقدار (0.8) سنتيمترًا عن نظرائهم في المناطق الأخرى.
ويرجح ازدياد عدد الولادات المشوهة في بعض المدن العراقية، ومنها مدينة الفلوجة، نتيجة استخدام مواد كيماوية خلال قصف قوات "التحرير" الأمريكية للمدينة، في ظل تعتيم إعلامي جرى وقتذاك، حيث استخدمت قوات الاحتلال الفسفور الأبيض، الذي يهدد سلامة البيئة والإنسان، والذي تحرم اتفاقية جنيف عام 1980 استخدامه ضد السكان المدنيين، أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطن بها مدنيون، وتعتبر استخدامه جريمة حرب.
وفوق كل هذه الجرائم يقولون إنهم جاؤوا لإنقاذ العراق، ولا ندري من أي شيء أنقذوه، وما هي المنجزات التي حققوها لنا، وهذه الأرقام المخيفة تشهد بها الحكومات التي نصبوها قبل غيرهم من المتابعين للشأن العراقي؟!!
الصور المؤلمة للاحتلال في العراق لا يمكن أن تتوقف طالما الاحتلال يرتع في ربوع بلادنا، والصور البشعة التي التقطت لقوات الاحتلال كثيرة، والتي وثقت جرائمهم بحق شعبنا الصابر، هي في الحقيقة لا تعكس إلا حقدهم الأعمى الدفين ضد العراقيين، ومن أكثر تلك الصور حقارة وظلما وظلامية، تلك اللقطة التي نقشت في ذاكرتي، حيث يظهر فيها عسكري أمريكي مدجج بالسلاح، وهو يفتش طفلا عراقيا لا يتجاوز عمره الرابعة، ويحمل بيده قطعة من الخبز، وهذا الطفل كان رافعاً يديه مثل العصفور، ولا يعرف ماذا يفعل هذا الغراب بجسده الغض البريء، ولا أدري وفقاً لأي قانون من قوانين الغاب، أو مكافحة الإرهاب خضع هذا الطفل البريء لعملية التفتيش تلك؟!!
حقد الاحتلال على الأجيال العراقية انعكس بالواقع اليومي في حياتنا من حيث الولادات المشوهة، وتردي مستوى تغذية الأطفال، والأمراض النفسية الخطيرة التي لحقت بهم جراء القصف العشوائي الإجرامي لمنازل الآمنين، وعمليات الاعتقال الهمجية، والتي تقع على مرأى ومسمع الأطفال.
كل هذه الجرائم وقعت - وتقع - ثم يحاولون أن يخدعونا بهدايا لأطفالنا الذين فهموا - على صغر سنهم وحداثة عقولهم - المؤامرة بعفوية.
فكيف يمكن لأمريكا، ومن معها، الانتصار على هكذا شعب فيه هؤلاء الأبطال من الأطفال؟!!
Jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى