غزة هاشم وبغداد الرشيد





مدارس التحرر في العالم هي واحدة من حيث الأهداف، ومتعددة في أسلوبها ومنهاج مقاومتها، فهنالك المقاومة المسلحة المباشرة على الجبهات، وهنالك معارك الكر والفر، وهنالك معارك الإعلام والسياسة، وغيرها من الميادين التي تهدف في محصلتها النهائية إلى إيقاع أكبر خسائر ممكنة في صفوف العدو البشرية والاقتصادية والسياسية.
وتجارب حركات التحرر في العالم كثيرة ومعتبرة من حيث إمكانية استنباط الدروس والعبر منها، وهذا الأمر يتضح جليا في التجارب الجزائرية والفلسطينية والفيتنامية وغيرها، وآخرها المدرسة العراقية.
وامتازت التجربة الفلسطينية بالعديد من صور البطولة والتضحية والفداء، ورغم المؤامرات المخيفة التي تحاك ضدها فهي ما زالت مستمرة -وبنجاح- في أغلب مدن فلسطين الحبيبة المحتلة، وتظهر بأبهى صورها في قطاع غزة، حيث يكافح الأحرار هناك من أجل الاستمرار في المقاومة والحياة، وهي ذات المؤامرة التي حيكت -ومازالت- تحاك ضد العراق، حيث الجرائم الصهيوأمريكية مستمرة منذ فرض الحصار الجائر عليه عام 1990، وحتى الساعة، وهو ذات الأسلوب الخبيث الذي يستخدم في غزة اليوم.
العراق الذي عرف بمواقفه الواضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أدخل في نفق الاحتلال والموت الجماعي منذ احتلاله، وحتى الآن، ولتأكيد هذه الحقيقة أعلن رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق آد مليكرت في تقرير قدمه لمجلس الأمن الدولي في الخامس والعشرين من شهر أيار/مايو لبحث آخر التطورات في بغداد، أن أكثر من (7000) شخص سقطوا بين قتيل وجريح منذ مطلع عام 2010 في أعمال عنف شهدتها البلاد. وقال: إن "هناك واقعا أمنيا صعبا في العراق تمثل منذ بداية عام 2010 ولغاية شهر أيار الحالي بمقتل أكثر من 2000 شخص، وإصابة (5000) آخرين بأعمال عنف متفرقة شهدتها البلاد". أما في جانب حقوق الإنسان الضائعة في العراق، فقد أكدت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش في تقرير لها، صدر في السابع والعشرين من شهر نيسان/أبريل الماضي، أن المحتجزين في مركز احتجاز سرّي في بغداد، وأحدهم بريطاني الجنسية، تعرضوا إلى "فظائع تعذيب منهجية وعمليات اغتصاب، وأجبروا على التوقيع على اعترافات كاذبة، مطالبة السلطات العراقية بضرورة التحقق بشكل مستفيض في الأمر، ومقاضاة جميع المسؤولين الحكوميين والأمنيين الضالعين في هذه القضية".
هذه هي الصورة المؤلمة في العراق منذ عام 2003 وحتى اللحظة، حيث الدم العراقي المسفوح منذ ما يقرب من سبع سنوات، والعالم يتفرج مثل ما يتفرج على الجرائم الصهيونية في فلسطين. الإجرام الصهيوني تمثل في جملة من المؤامرات الخطيرة والمخيفة بحق أهلنا في غزة الحبيبة، فبعد الحرب الهمجية الصهيونية الأخيرة على القطاع، والتي خلفت آلاف الضحايا والجرحى والمعاقين، ودماراً لحق البنى التحتية والفوقية، نجد أن الاحتلال يدفع باتجاه الإعدام الجماعي لأهلنا في القطاع في محاولة يائسة لتركيعهم، وقتل روح المقاومة لديهم عبر حصار ظالم وقاس، وهم على الرغم من ذلك صابرون متلاحمون، لا تؤثر فيهم هذه الأساليب الصهيونية القذرة، على الرغم من قساوتها.
الهجوم الصهيوني على أسطول الحرية قبل أيام، والذي راح ضحيته كوكبة من أحرار العالم، يعد في الحقيقة نصرا للأحرار في كل مكان، إذ إنه -وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني نجح في قرصنته للأسطول- إلا أنه فشل فشلا ذريعا على المستوى الدولي، ووجهت له انتقادات لاذعة وقوية من أصدقائه قبل أعدائه، وهو يعيش اليوم عزلة سياسية بسبب سياساته الهوجاء، وهذه القرصنة الجبانة حققت جملة من المكاسب للقضية الفلسطينية، أقلها أنها أظهرت الوجه الصهيوني القبيح أمام أنظار الأحرار في العالم.
أهالي غزة خرجوا بعد الحادثة لمشاركة الضحايا في مأساتهم، فنصبوا العديد من سرادقات العزاء على شاطئ البحر، وهي في الحقيقة سرادقات للنصر والصمود، وكانت صور الأطفال الذي يحملون الورود، ويرمونها في البحر، كنوع من الحب والاحترام، وتحية من شعب غزة الذي أعلن الإضراب العام تضامنا مع قافلة الحرية التي حاولت كسرت الحصار، أقول كانت تلك الصور رائعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
شكرا لكل من غضب من أجل غزة، شكرا لكل من غضب من أجل بغداد، وهي أيام مصيرها إلى الزوال، رغم صعوبتها، وستبقى حقائق النصر والصمود في غزة، وفلسطين، وبغداد، كالجبال الشامخات، لا يمكن أن تزول أبدا، وقد أثبتت التجارب في كل من بغداد والقدس أن النصر لا يتحقق بقوة السلاح وحدها، حيث انتصر الأحرار في بغداد الرشيد على آلة الحرب الأمريكية العملاقة، وهذا النصر تحقق في غزة هاشم الصامدة أمام الآلة الحربية الصهيونية الحديثة.
طوبى للأحرار، والموت والهزيمة لأعداء الإنسانية من الذين يرفعون شعارات براقة زائفة عرف كذبها القاصي والداني من الشرفاء في العالم.
Jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى