الكرد بين البداية والنهاية!



ترقب العالم أمس الاثنين 25/9/2017، نتائج التصويت في إقليم كردستان العراق على سؤال محدد: هل تؤيد استقلال كردستان والمناطق الكردية خارج الاقليم، أم لا؟ هذه الخطوة الفاصلة - والتي – ربما- ستكون بداية تحقيق الحلم الكردي بتأسيس دولة خاصة بهم مجدداً منذ انهيار أول دولة كردية (الدولة المهابادية) في إيران عام 1946، أو – ربما – بداية النهاية حتى لإقليم كردستان العراق- أظنها ستؤسس لمرحلة انهيار الدولة العراقية!
استفتاء يوم أمس الاثنين يشمل سكان المحافظات الأربع في الإقليم الكردي، وهي: أربيل والسليمانية ودهوك، وحلبجة ومناطق أخرى متنازع عليها، وأهمها كركوك، وكذلك أكراد الخارج الذين بدأوا التصويت يوم السبت الماضي.
الاستفتاء معناه إنهاء الشراكة القائمة بين بغداد وأربيل، وضرب العملية السياسية القائمة على الشراكة، وذلك لأن الاستفتاء لا يتفق مع الدستور الذي شارك الكرد في كتابته، والذي يؤكد – بحسب المادة(1) على أن" جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". والنظام الاتحادي يقصد به النظام الفيدرالي، وهو ما أكدت عليه المادة (116):" يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ وأقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ وإدارات محلية"، وكذلك المادة (117) أولاً والتي أوضحت:" يقر هذا الدستور، إقليم كردستان وسلطاته القائمة، إقليماً اتحادياً".
وعليه لا يوجد في الدستور العراقي- الذي شارك الكرد في التصويت عليه- أي ذكر لقضية الانفصال عن العراق، ولذلك فان هذه الخطوة تعد غير دستورية، ومهما كانت المبررات الكردية أرى أنهم ضربوا أساس الشراكة مع حكومة بغداد وهو الدستور الضامن لحقوق كافة الأطراف كما ذكرت مسودة الدستور.
حكومة بغداد أعلنت صراحة رفضها الاستفتاء، وتقول إنه" لا يتوافق مع الدستور، ولا يصب في مصلحة الأكراد سياسياً ولا اقتصادياً ولا قومياً". ويوم الأحد الماضي طلبت بغداد من سلطات إقليم كردستان "تسليم جميع المنافذ الحدودية، وبضمنها المطارات، إلى سلطة الحكومة الاتحادية"، داعية جميع الدول للتعامل معها "حصراً" في ملفي المنافذ والنفط.
ومن الضروري التنويه إلى أن التركمان والعرب يرفضون أن" يشمل الاستفتاء محافظة كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها"، ورغم كل هذه الأصوات الداخلية والخارجية الرافضة للاستفتاء نجد أن الأحزاب الكردية - في غالبها- أصرت على المضي قدماً فيه وإجرائه!
هذا الإصرار الكردي على المضي قدماً في تمريره على الرغم من تحذيرات واعتراضات مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وغالبية دول العالم من تداعيات هذه الخطوة – باعتقادي- لم يأتِ من فراغ، وإنما هنالك تطمينات "قوية" من أطراف كبرى دفعتهم للمضي قدماً في هذا الاتجاه، وإلا فان القيادة الكردية تعرف كيف تدار اللعبة السياسية، وهم محنكون ويمتلكون الخبرة الكافية للتفكير الإيجابي المنطقي؛ وبذلك ما يجري لا يخرج عن كونه صفقة جديدة سيتحقق للكرد من ورائها الكثير من المكاسب على مستوى العراق، وسيتحقق للقوى الداعمة "الخفية" المزيد من الأدوار الخفية في المنطقة.
أرى أن القضية يراد منها إحراج تركيا بالدرجة الأولى – وربما في الدرجة الأخيرة إيران- وتقوية شوكة الأحزاب الكردية المعارضة لها والمتواجدة في إقليم كردستان، وبالتالي سيخلقون المزيد من المشاكل للدولة التركية التي حذرت من القرار وطالبت الكرد بالعدول عنه.
رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم دعا رئيس الإقليم الكردي مسعود بارزاني، "التخلي عن عناده بإجراء استفتاء الانفصال"، وأكد أن" الاستفتاء، هو بمثابة مسألة أمن قومي لتركيا، وتركيا لن تتردد في استخدام حقوقها المنبثقة عن الاتفاقيات الدولية والثنائية في هذا الإطار، وأن الاستفتاء لن يجلب الخير للمنطقة، ولن يجلب الخير لإخوتنا الأكراد أيضاً". وهذه جميعها تلميحات تركية، أو - ربما يمكن تسميتها- بالتهديدات الناعمة، وتنذر باحتمالية تنفيذ تدخل بري، وبالذات للمناطق التي يتواجد فيها تنظيم البي كه كه، الذي تعده تركيا منظمة إرهابية.
الاستفتاء الكردي سيحسم بـ(نعم) واضحة، ولكن السؤال الأهم كم من الوقت ستبقى هذه الدولة الجديدة المحاطة بجوار رافض لها؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى