انعطافة كبيرة!



نحن أمام انعطافة كبيرة في تاريخ العراق والمنطقة، ماذا لو صَوَّت الكرد على الانفصال، وما هي عواقب هذه الخطوة غير الاعتيادية، وما العلاج لإقناع الكرد بالبقاء ضمن إطار الدولة العراقية؟
حينما نتابع مجريات اللعبة السياسية في العراق نلاحظ - وبوضوح تام- التمايز القومي والمذهبي بين الشركاء، والمختلف من حيث الثقل والتأثير.
في المشهد العراقي هنالك ثلاثة مكونات رئيسية وهم الكرد والشيعة والسنة، وتضم - في غالبيتها- المتدينين وغير المتدينين، والمتشددين والوسطيين والمنبطحين، لأن غالبيتهم - حينما يختلفون- يعودون للقومية، أو المذهبية حتى لو كانوا من دعاة الدولة المواطنة.
ويمكن أن نقرأ – وبعجالة- واقع حال كل مكون من هؤلاء:
- الكرد سائرون باتجاه إعلان دولتهم عاجلاً أم آجلاً، أو سيحصلون على الأقل – في المرحلة المقبلة- على مكاسب جديدة في حال سعي القوى الداخلية والإقليمية لإرضائهم، وبالمحصلة هم جنوا – وسيجنون- ثمارا كبيرة وطازجة من البستان العراقي منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لأنهم سياسيون ينظرون للمصلحة القومية الكردية.
- الشيعة، هم المسيطرون على غالبية مفاصل الدولة، والمالكون للمال والسلطة والقضاء والبرلمان، ولذلك فهم في وضع مرحلي جيد يمكن أن يجعلهم في مأمن من عين العاصفة القادمة في العراق.
- السنة، هم الحلقة الأضعف في المعادلة، ومبدئياً يلاحظ المتابع الحصيف غياباً شبه تام لقيادة "سنية" جامعة داخل العملية السياسية، والمدن التي يمثلونها - في غالبها- عبارة عن أطلال كونكريتية، وأهلها بين قتيل وسجين ومشرد ومهجر في الداخل، أو الخارج، والناتج النهائي: هم لا تأثير لدورهم، وغالبيتهم لا يعرفون كيف تُدار اللعبة الحالية للحصول على مكاسب سياسية من شركاء العملية السياسية وكأنهم متخوفون من شيء ما، أو لم يتعلموا أن السياسة لعبة استغلال الفرص.
في ضوء الواقع المركب أرى أن "سنة العراق" يمكن أن يكونوا بيضة القبان القادرة على تغيير مجريات للعبة في البلاد لصالح العراق أولاً ثم لتحقيق بعض آمال جماهيرهم عبر الدخول في تحالف مع اقرب الأطراف. والسؤال هنا: هل سيتحالفون مع الشيعة على اعتبار أنهم عرب، أم مع الكرد على اعتبار أنهم سنة؟! 
قبل محاولة الرد على هذين السؤالين ينبغي التذكير بوجود مئات الآلاف من العرب السنة المهجرين في إقليم كردستان، وعليه لا بد من السعي لإيجاد حلول، أو إجابات منطقية، وبعيدة عن الأنانية على اعتبار أن منْ يده بالماء ليس كمنْ يده بالنار.
من التداعيات المحتملة - في حال التقارب السني – الشيعي، واحتمالية حدوث صدام مسلح بين البيشمركة والحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى ونينوى وغيرها- ربما سيتعرض أهالي تلك المناطق من العرب السنة لعمليات تهجير، وستفتح صفحة من التوتر المجتمعي ضد الأهالي الذين يعترفون بفضل الإقليم عليهم في إيوائهم ونصرتهم في هذه المرحلة القاتلة من تاريخ البلاد، وسيكون العرب السنة في الإقليم في مواجهة مستقبل مجهول، وعليه هل ستذهب "القيادات السنية" للتفاهم مع الكرد لضمان سلامة من يمثلونهم، ولا ننسى احتمالية تنفيذ بعض المليشيات عمليات انتقام هنا، أو هناك في البلاد؟
وبالمقابل هنالك من يرى ضرورة لعب "القيادات السنية" دور الوسيط مع الطرفين والبقاء على الحياد. وهذا الدور - برأي فريق آخر- يُعد موقفاً هلامياً، ويمثل أعلى درجات السلبية، نتيجة ضعف غالبية هذه "القيادات"، واهتمام الجزء الآخر بالمصالح الشخصية والحزبية، وعدم المجازفة بمستقبلهم السياسي، لا سيما مع قرب موعد الانتخابات النيابية والمحلية.
وفي ظل هذه الأجواء المتوترة نلاحظ أن بعض الأصوات السياسية الشيعية تحاول السعي لضرب المهجرين، وليس لإحراج سياسيي السنة، وذلك عبر مطالبتهم بموقف واضح من قضية استقلال الكرد!
اعتقد أن السياسيين الكرد سيتراجعون عن مسألة الانفصال – حتى لو تم الاستفتاء-مقابل حصولهم على جزء كبير من المناطق المتنازع عليها، وزيادة حصتهم من ميزانية الدولة وربما ستصل حصتهم لقرابة 20 % من ميزانية العراق!
الواقع المرير يؤكد أن المواطنين السنة هم الخاسر الأبرز في مجمل ما يجري- سواء انفصل الكرد، أم لم ينفصلوا- وأن الشيعة ليسوا في جنة ونعيم!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى