العيد والوطن وأوراق الخريف!




حلاوة العيد تتمثل بأنه يوم مليء بالسلام والتسامح والمحبة والعطاء، ولا مكان فيه للكراهية والأحقاد والبخل، ومناسبة عطرة للقاء الأحبة، وصفاء الأرواح والقلوب من الضغائن والشرور.
العيد – رغم كل الفروقات المادية بين الناس- لا فرق في الاحتفاء به بين الغني والفقير، والمُنَعَّم والمُعْدم، والقوي والضعيف، لأن فرحه فطري في عقيدة الإنسان، وأعراف المجتمع.
ورغم كل المعاني الجميلة للعيد هنالك في عالمنا ملايين المهجرين من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين وغيرهم، الذين لم يذوقوا فرحة العيد والبهجة به والسرور والهناء بمجيئه، ليس لقلة ذات اليد، أو لعوز مادي وإنما لانعدام لحظة اللقاء بالوطن والأهل والأحباب.
عشرات الأعياد تمرّ على هؤلاء الملايين المتناثرين كالنجوم في بقاع الأرض وكأنهم اجتُثوا من أوطانهم وصاروا بلا دار، وبلا أهل، وبلا تاريخ، وذنبهم أنهم لم يصفقوا للمحتل، أو للغادرين لذلك وجدوا أنفسهم أمام عقوبة جماعية تمثلت بالتهجير الإجباري، أو الطوعي.
السياسة السلبية تفننت في نشر الكراهية والرعب والدمار في الكثير من دول المنطقة التي تعاني التهجير. وكأن هنالك تغييباً للسياسة الإيجابية القائمة على محبة المواطنين والسعي لإدخال الفرحة والبهجة في حياتهم، وهذه مهمة العمل السياسي المنتج، وإلا فالعمل السياسي غير الجامع لأبناء البلد شر يلاحق المواطن في كل مكان.
العراقيون في غربتهم صاروا يحلمون بعيد وطني يجتث غربتهم، ويؤسس لمرحلة نشر العدالة الاجتماعية والاقتصادية والوظيفية والتعليمية بين جميع المواطنين. ويتمنون وطناً لا مكان فيه للاعتقالات التعسفية، والقوات غير الرسمية؛ وأن يروا السيادة العراقية واضحة المعالم، وتحرسها قوات وطنية قادرة على إيقاف الشر وردع الباطل، وباتوا يأملون بحاكم صاحب عقل ناضج، حر، وكريم، ويحب جميع العراقيين ويسهر على راحتهم، وأن تبنى لهم دولة مؤسسات حقيقية غير شكلية.
عيدنا الأروع – كغرباء- حينما نعود للوطن ونصارع الحياة بحلوها ومرها، ونساهم في خدمة بلدنا، ونكتب من رحم المعاناة، سواء أكان ما نكتبه ترضى عنه الحكومة أم لا. وعيدنا الأكبر حينما نطالع أخبار الكون ونجد بلدنا لا تذكر فيه تفجيرات، أو اغتيالات ولا هجرة جماعية داخلية، أو خارجية. وعيدنا الحقيقي عندما نلمس إنجازات صناعية وتجارية وأمنية واستراتيجية في بلدنا نباهي بها الدنيا.
والعيد الأمثل لكل العراقيين حينما تتكفل الدولة باليتامى والأرامل والطلبة وتدعمهم ليكونوا جيلاً مميزاً.
الغربة تسحق الإنسان كما تسحق الطواحين حبوب القمح رغم أن الكثير من أهلنا في داخل الوطن يتصورون أن المغتربين يعيشون بنعيم يحسدون عليه، وربما هذا الكلام فيه بعض الصحة، لكن الغالب العام أن المهجرين يعانون من عقبات كبيرة ومنها الإقامة والعمل وتوفير لقمة العيش والتعليم وغيرها من العوائق التي ترهق كاهل رب الأسرة الذي يقع عليه حمل هذه المهام الضرورية.
من أبسط صور ألم العيد في الغربة أنك حينما يأتي العيد - وأنت في مكان، رغم زحمته، تشعر فيه بالوحدة القاتلة، وربما تعرف فيه بعض الأشخاص الذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة- ثم تلتفت يميناً وشمالاً فلا تجد أباً، أو أخاً، أو صديقاً لتبارك له بالعيد، وحينها تعود لبيتك - بعد صلاة العيد- تجرّ معك ذكريات تلك السنوات التي كنت تتنعم فيها بلقاء الأهل والأحباب، وتلاحقك سائر تفاصيل الحياة الجميلة، وحتى المؤلمة منها.
العيد الحقيقي حينما نشعر أننا نمتلك وطناً جامعاً لنا، نعيش في أحضانه ونحيا ونموت على أرضه، بدلاً من هذا الشتات الذي لا نعرف ما هي نهايته، وما هي تبعاته؟
الأيام كلها أعياد لمن استقر في وطنه، وأمن على شرفه، وتوفر له قوت يومه. والحياة لا طعم لها لمنْ لا يعرف الاستقرار في وطن، وغير آمن على عائلته، وترهقه رحله تأمين لقمة العيش لأولاده!
الوطن جنة أرضية كالأم، لا يعرف قيمتها ومكانتها إلا منْ فقدها.
جنتنا الأرضية، العراق، فمتى نستقر فيها، أم أننا سنبقى نهاجر في ديار الله المتنوعة، وتلعب بنا الأيام كما تلعب الرياح بورق الخريف؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى