العراقيون والعيد والبراميل المتفجرة




العيد هو يوم الجائزة ويوم الفرح والاجتماع بالأهل والوطن والأحباب، وهو مناسبة لتنقية القلوب من الأدران الشيطانية والأحقاد الدونية، التي لا تنفع المجتمع الإنساني إلا بمزيد من الانقسام والتشرذم.
 ورمضان، هو مضمار العمل من أجل الوصول ليوم الفرحة الكبرى، يوم العيد، وهو مناسبة للتصالح ونشر الحب والتسامح، والسلم والسلام؛ وهذا من أهم القيم المباركة في هذا الشهر الفضيل؛ وعليه، فإنه من الصعوبة بمكان تفهم هذا الحقد على المدنيين العزل في شهر رمضان، وفي أوقات السحور والفطور تحديداً، وهذا ما نراه اليوم - وبوضوح - في المشهدين السوري والعراقي.

العراقيون في رمضان - وخصوصاً في مدن الفلوجة والكرمة والقائم وتكريت والموصل والمقدادية في ديالى- تعودوا على الإرهاب الحكومي في هذا الشهر الفضيل؛ حيث إن قوات النظام الإجرامية تلقي حمم الموت على العوائل الآمنة في ساعات السحور والفطور؛ وهذا مؤشر خطير على انسلاخ هذه القوات وقادتها من كافة القيم والأعراف الإنسانية والسماوية والأرضية؛ وإلا فلا يمكن تصور قتل النساء والأطفال في هذه الأوقات المباركة!

في الثامن عشر من الشهر الحالي، قالت الأمم المتحدة إن" (5576) مدنياً عراقياً - على الأقل - قتلوا في أعمال العنف هذا العام وإن (11665) آخرين - على الأقل - أصيبوا منذ يناير/ كانون الثاني الماضي".
ورغم استمرار الخراب والدمار، والقتل، والتهجير، والاعتقالات المنظمة، والاغتيالات اليومية، أقول رغم كل هذه الآلام، فإن العراقيين، بعد أيام سيحتفلون بعيد الفطر المبارك، وكل منهم سيحتفل بطريقته الخاصة، التي ربما لا توافق أحياناً حقيقة الأعياد، ومن صور الاحتفال بالعيد لديهم في داخل العراق وخارجه في مرحلة ما بعد 2003 :

- زيارة قبور الشهداء الذين غدرت بهم قوات المالكي الإجرامية، وقبلها قوات الاحتلال الأمريكية، في سنوات الديمقراطية المزيفة. وهنالك عوائل سيزورها أقرباؤها من الدرجة الثانية، أو الثالثة في قبورها لأن البراميل المتفجرة قضت على عوائل بأكملها؛ ولم يبق منها إلا أطلال منازلها.
- البكاء على الوطن من قبل ملايين المغتربين، الذين هُجروا من بلادهم؛ لأنهم لم يصفقوا للدكتاتور الديمقراطي. 
- تفضيل البقاء في البيوت، وعدم زيارة أحداً من الأقارب والأصدقاء؛ بسبب الخوف من تغول المليشيات التي تنشر جرائمها في بغداد، وديالى، أمام أنظار الأجهزة الأمنية.

هذا الإجرام الحكومي يمكن أن يُراد منه كسر شوكة المقاومة الباسلة، التي قالت للحكومة: إنك كفرت بكل الأعراف والقيم والمبادئ؛ وعليه حانت ساعة الرحيل لكم أيها الساسة،  لأنكم لا  تعرفون الرحمة، ولا يهمكم الدمار، الذي حلّ بأرواح الناس وممتلكاتهم، ولا تكترثون بالخراب الذي دمر الدولة العراقية منذ أن تسلمتم زمام الأمور وحتى الساعة!.

ومن الوفاء لشاعر المقاومة والفلوجة الشيخ محمد سعيد الجميلي، الذي استشهد يوم 6/7/2014، في مدينة الفلوجة؛ أن نتذكر بعض صور الألم، التي رسمها عن المشهد العراقي في هذه القصيدة التي هي بحق صرخة بوجه الظلم والخراب والدمار، الذي لحق بالعراق والعراقيين:

ما جف جرح القدس لكن الحقت *** بالقدس رغم انوفنا بغدادُ

ذبحت بسيفٍ سلهه أبناءها *** ومشى بها الأعراب والأكـرادُ

بغدادُ يا بنت العقيدة حدقي*** بوجوهنا فلنا معاً ميعادُ

كـي تشتكينا للحبيب أذلة*** كيف ارتقا أكتافنا أوغادُ

وأقام علجٌ في ربوعٍ أمَها *** الكرار والجراح والمقدادُ

فالداء أصل الداء حين تغافلت*** هذه العيون وأثخن الجلادُ

بغدادُ ضاعت مذ دهانا ليلهم *** زرعوا وحق الزارعينَ حصادُ

فبمن أٌعزي يا ذبيحة ذلنا *** يا من تلوح بذكركِ الأمجادُ

أبغولك الطاغوت وهو ربيبهم *** والعبد يملك أمره الأسيادُ؟

أم بالرعاء الذائدين عن الخنا؟*** لكنهم عن عرضهم ما ذادوا

بغداد روزؤك ما سمعتُ بمثلهِ *** لكنما محن الكبار شدادُ.

إن أحلام العراقيين اليوم - على الرغم من كل الخيرات التي تتمتع بها هذه البلاد – لا تتعدى كونهم يتمنون عيداً خالياً من البراميل المتفجرة، والطائرات المقاتلة، والمروحيات الحاقدة، والسيارات المفخخة، والسياسيين الحاقدين، والجثث المجهولة، والاعتقالات المنظمة.
فهل نحن نحلم، أم يمكن أن يأتي يوم نحتفل بمثل هذا العيد المليء بالحق والأمن والسلام؟!
أظن أن إرادة الشعوب الحرة قادرة على صنع مستقبل جميل مليء بالطيب، والورود، والتسامح والمحبة؛ وهذا ما يريده العراقيون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى