الأنبار والمصالحة والذبح (الوطني)






علمتنا التجارب الإنسانية أن البناء الصحيح لا يكون إلا على أُسس وقواعد دقيقة ومتينة، وهذا الأمر ينسحب على كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية وغيرها.
وفي ضوء هذه التجارب الإنسانية لا يمكن تصور وجود بناية في الهواء بلا أُسس ثابتة في الأرض، ولا يمكن تصور انتاج زراعي، أو صناعي من غير الأخذ بالأسباب المؤدية للحصول على انتاج وفير ومتميز، ومنها تطوير قدرات الإنسان والآلة على حد سواء.
وهنا ينبغي التوضيح بأنه من المخجل الحديث عن الوحدة الوطنية في زمن الذبح، والتهجير والاعتقالات والاغتيالات، ومن المعيب الكلام عن السلام في زمن الهدم والتخريب والنحر (الديمقراطي)، و(الذبح الوطني)؛ لأن زمن الضحك على الجماهير قد ولى واندثر.
قبل أيام وتحديداً يوم 29/5/2014، أكد رئيس حكومة بغداد نوري المالكي، أنه (سيدعو إلى عقد مؤتمر موسع للوحدة الوطنية في الأنبار ضد الإرهاب، وتناسي جميع الخلافات، وحقن الدماء في الأنبار، وعودة ساكنيها إلى منازلهم مع اقتراب شهر رمضان الذي سنستقبله بأنبار جديدة)، بحسب قوله.
وبعد ثلاثة أيام قال عضو مجلس محافظة الأنبار يحيى المحمدي، إن (دعوة رئيس الوزراء نوري المالكي لعقد مؤتمر خاص بالأزمة، التي تشهدها المحافظة جاءت في الوقت المناسب، ومجلس محافظة الأنبار متوافق بالرؤى مع رئيس الوزراء في ضرورة عقد مؤتمر يضم كل الأطراف المؤثرة في المحافظة من علماء دين، وشيوخ عشائر وسياسيين؛ لحل أزمة المدينة).
وفي يوم 1/6/ 2014، قال نائب رئيس مجلس المحافظة فالح يونس العيساوي, إن (اللجنة التحضيرية للمؤتمر ستعمل على عقد هذا المؤتمر يوم الخميس، أو السبت المقبلين).
الوحدة الوطنية الجادة ينبغي أن نلمس آثارها بسلام وأفعال على أرض الواقع، وهذا ما لم يحدث في الأنبار، ففي وقت دعوة المالكي لمؤتمر الوحدة الوطنية (الدعائية) نجد أن أرض الأنبار تحترق على أهلها بنيران القوات الحكومية؛ ونشاهد قواته الوحشية تقتل المدنيين العزل في الفلوجة بكافة أنواع الأسلحة البرية والجوية، وفي يوم 1/6/2014، تعرضت الفلوجة إلى قصف حكومي عشوائي، أدى إلى مقتل (22) شخصاً بينهم نساء وأطفال، وإصابة (38) آخرين بجروح.
وفي يوم 3/6/2014، أكد الدكتور أحمد الشامي مدير الأطباء المقيمين في مستشفى الفلوجة، مقتل (17) وإصابة (43) آخرين، بينهم خمسة من الكوادر الطبية العاملة في المستشفى في قصف على وسط الفلوجة استهدف السوق الرئيس، ومبنى بلدية الفلوجة والمستشفى.
وكان الشامي قد أعلن السبت الماضي: (أن (366) شخصاً قتلوا، وأصيب (1493) في الفلوجة منذ بدء الهجوم الحكومي على محافظة الأنبار نهاية العام الماضي، وأن معظم القتلى مدنيون قضوا في قصف مُركز للجيش يستهدف المدينة منذ أشهر).
وبهذا يكون مجموع الشهداء لغاية ساعة كتابة هذا المقال أكثر من (405) شهيداً، بالإضافة الى أكثر من ( 1574) جريحاً!
وفي يوم 27/5/2014، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ( الجيش العراقي بشن هجمات عشوائية عديمة التمييز من خلال القاء براميل متفجرة على قضاء الفلوجة في الأنبار).
وأشارت المنظمة إلى أن: (المسؤول الأمني المتمركز في الأنبار أكد أن الجيش استخدم القنابل البرميلية منذ 2 أيار تقريباً في الفلوجة، وأنهم بدأوا في استخدامها (القنابل البرميلية)؛ لأنهم يريدون إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار. لقد قررت حكومتي تدمير المدينة ... بدلاً من محاولة غزوها).
هذا هو المنطق الحكومي في التعامل مع الأزمة التي افتعلتها في الأنبار، فعن أي وحدة وطنية، أو مصالحة يتكلم هؤلاء، وأنهار الدم تتدفق في شوارع ومنازل المدنيين العزل في الفلوجة وغيرها؟!
المصالحة الحقيقية تكون باحترام كرامة الإنسان أولاً، ثم بإيقاف صور الظلم والاستخفاف والتهميش والتفنن في الايغال بالقتل، وبعد تطبيق كل هذه الحقوق الإنسانية الأساسية يمكن الحديث عن مؤتمر للوحدة الوطنية في الأنبار، وإلا فإن الكلام عن المصالحة في زمن البراميل المتفجرة هو خداع للمواطنين في الداخل والمجتمع الدولي في الخارج.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى