تداعيات الهجمات المنظمة على السجون العراقية



اتخاذ السجون من النظم والأساليب المسلم بها في جميع دول العالم؛ من أجل حجر، أو منع، المجرمين من العبث بأرواح الناس وممتلكاتهم الخاصة، وأيضًا لإيقاف استهتار ذلك النفر الشرير بالممتلكات العامة.

والسجناء أنواع، منهم البريء، ومنهم الجاني، والجميع متفقون على أن الجاني الذي لا ينفع معه الإصلاح مكانه الطبيعي هو السجن؛ حتى يكون هذا المكان الموحش المعزول مدرسة إصلاحية تبني الإنسان المنحرف، وتجعل منه بذرة نافعة مثمرة في المجتمع في المستقبل.

والسجون في العراق بعد عام 2003، ازدهرت ونمت نموًا واضحًا؛ لأن قوات الاحتلال الأمريكية، ومن بعدها الحكومات المتعاقبة على حكم المنطقة الخضراء ببغداد، وجدت من السجون المكان الأفضل والأقرب للخلاص من كل الرافضين لهم، هذا إن لم يكن الخلاص منهم عبر التصفيات الجسدية والاغتيالات.

والسجون في العراق تمارس فيها أبشع أنواع التعذيب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

1. الصعق بالكهرباء، وخصوصًا في المناطق الحساسة والرقيقة من الجسم البشري.
2. استخدام الماء البارد في الشتاء، والماء الحار في الصيف.
3. التعرية الجسدية التامة، وأحيانًا يكون هذا النوع من التعذيب جماعيًا، وأيضًا الاغتصاب للرجال والنساء على حد سواء.
4. التعليق من اليدين، أو من القدمين في السقف لساعات طويلة، باستعمال الرافعات الخاصة برفع محركات السيارات.
5. الضرب المبرح بالكيبلات والعصي والركل وغيرها من صور الضرب،  وعلى مناطق دقيقة من الجسد كالرأس والصدر والعينين وغيرها.
6. التعذيب النفسي، ويكون ذلك عبر التهديد باغتصاب زوجة، أو والدة، أو أخت المعتقل؛ حتى يعترف على جرائم باطلة لم يرتكبها.
7. الإهانة في حبس المعتقل داخل الحمامات لساعات طويلة.
8. إنزال السجناء في أحواض الصرف الصحي، ومنعهم بعد ذلك من الاستحمام.
9. منع الطعام والشراب والدواء عن النزلاء.
10. منع الزيارات العائلية، ومضايقة الأهالي في أيام الزيارات الرسمية لذويهم.

وغيرها الكثير من صور التعذيب والإهانات.

ومنذ سنوات والمنظمات الدولية والإقليمية والعراقية تؤكد أن هنالك عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون الحكومية، فيما تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى وجود قرابة نصف مليون معتقل في المعتقلات السرية والعلنية، تمارس فيها بحقهم أبشع أنواع التعذيب والانتهاك لحقوق الإنسان، وهو ما دفع الملايين للتظاهر منذ قرابة سبعة أشهر، ولغاية اليوم؛ للمطالبة بالحقوق المغتصبة، ومنها إصدار قانون العفو العام، وإنهاء مهزلة المخبر السري.

وقبل أيام، وتحديدًا مساء يوم 22/7/2013، نفذت مجاميع مسلحة هجومًا واسعًا على سجني أبو غريب والتاجي في غرب وشمال بغداد، ونتج عن الهجوم بحسب ما كشفت مصادر سياسية وأمنية متطابقة (هروب ما بين (500) إلى ألف سجين، بينهم قادة وأمراء لتنظيم القاعدة محكومون بالإعدام، وسقوط (70) قتيلاً وجريحًا إثر تصدي القوات)؛ وذلك في أكبر عملية تستهدف السجون، والتي تسببت في إحراج حكومة المنطقة الخضراء، وأظهرتها عاجزة عن حماية السجون التي تتولى إدارتها.

وفي يوم1/8/2013، قال مراسل لصحيفة الحياة السعودية اللندنية إن مسؤولاً عراقيًا، وصفه بأنه رفيع المستوى أكد: "أن المجموعة المسلحة التي اقتحمت سجن أبو غريب لا يقل عددها عن 50 مسلحًا"، وأن "المهاجمين، على ما يفيد التحقيق مع طاقم السجن، أنهم كانوا في وضع اطمئنان كامل، فقد جمعوا الفرش والأغطية وأحرقوها؛ لإحداث فوضى في باقي أقسام السجن، ثم نادوا على أسماء بعينها من المسجونين، وأطلقوا النار عليهم بعدما اتهموهم بالتعاون مع الحكومة"!

وقال التقرير: "إن عدد الهاربين (736) سجينًا، بقي منهم (425) فردًا فارًا حتى الآن".

حكومة المالكي لم تستوعب الصدمة، وراحت تحاول لملمة أوراقها بطريقة إجرامية، حيث نفذت القوات التابعة للمالكي، وتحديدًا قوات سوات، جريمة بشعة بحق السجناء الذين بقوا في داخل السجن، وبينت تقارير صحفية نشرت في بعض المواقع العراقية أن جثث بعض المعتقلين الذين قتلتهم قوات سوات في داخل سجن التاجي قبل يومين وصلت إلى دائرة الطب العدلي، والقتلى هم:

1. المعتقل أحمد جاسم عفتان/ من سكنة ناحية الرشيد
2. المعتقل حميد فاضل حسين/ من سكنة عرب جبور في الدورة
3. المعتقل اسكندر عبد حيدر/ من سكنة عرب جبور
4. المعتقل حمزة حايف/ من سكنة السيافية الأولى
5. المعتقل هلال عبيد حرز/ من سكنة السيافية الأولى
6. المعتقل أياد عيسى مهدي/ من سكنة عرب جبور
7. يوسف الجبوري/ من سكنة عرب جبور
8. المعتقل أحمد الجبوري/ من سكنة عرب جبور
9. المعتقل صباح مطلك العبيدي/ من سكنة اللطيفية
10. المعتقل علاء حسين العزاوي/ من سكنة الدورة
11. المعتقل حيدر عامر الجبوري/ من سكنة عرب جبور
12. المعتقل محمد سلمان عز الدين/ من سكنة عرب جبور
13. المعتقل ياسين علي عباس/ من سكنة ابو غريب
14. المعتقل ناطق شاكر فريح/ من سكنة الأنبار
15. المعتقل إبراهيم عبعوب العبيدي/ من سكنة اللطيفية.

المالكي لم يعترف بالفضيحة الأمنية الكبيرة التي هزت أرجاء العراق، بل على العكس من ذلك شن يوم 27/7/2013، هجومًا على (حسن الشمري) وزير العدل، الذي اتهم الجيش والشرطة بالتراخي، وطالب بالإضراب لحراس السجون، وأمر (أي المالكي) بحبس مدير عام دائرة الإصلاح، المسؤولة عن السجون، اللواء المهندس حامد حمادي طاهر الموسوي، وإحالته للقضاء مع عدد من الضباط، بينهم قيادات عسكرية في الفرقة التاسعة والفرقة (17) بتهمة "التقصير في اداء الواجب"، بقضية تهريب سجناء أبي غريب، والهجوم على سجن التاجي!

هذه القرارات لا يمكن أن تكون الحل الأمثل للتدهور الأمني المستمر في البلاد؛ لأن الخلل مستشري في كافة مفاصل الدولة العراقية، وخصوصًا في الأمن والدفاع!

من جانبه أكد (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام) في بيان له نشر على الإنترنت: "إن العملية بدأت في الساعة التاسعة ليلة الثالث عشر من شهر رمضان،  حيث انقض وبصورة متزامنة على البوابات الرئيسية والجدران الخارجية للسجنين بموجات من السيارات المفخّخة فكان عدد السيارات المفخخة التي تمّ تفجيرها بداية الغزوة على بوابات وجدران السجنين، وعلى قوات الإسناد التي وصلت الموقعين (12) سيارة مفخخة بمختلف الأحجام" بحسب بيان التنظيم.

وفي يوم 31/7/ 2013، قالت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتر) الأمريكية، إن "عملية اقتحام سجني أبو غريب والحوت ( التاجي) في ضواحي بغداد، التي أدت إلى فرار المئات من المعتقلين، تمثل هزيمة مذهلة لحكومة المالكي، وأن عدد السجناء الفارين من سجن أبو غريب، يعكس حجم الضربة التي تلقتها حكومة المالكي من الهجوم على سجنين تحيطهما حماية عسكرية مشددة".

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أن "مسؤولين حكوميين، زعموا بعيد الهجوم أن المهاجمين لم يصلوا إلى هدفهم النهائي -وهو تحرير المعتقلين في سجن أبو غريب- إلا أن النهار تكشف بعدها عن نجاح عملية الاقتحام وفرار المئات من المعتقلين من السجن".

وفي ذات الوقت قال خبراء غربيون إن "الهجمات على سجني (أبو غريب) و(التاجي)، التي تم الإعداد لها بدقة شديدة، استخدم فيها أعضاء تنظيم القاعدة قذائف الهاون لضرب القوات الحكومية، والانتحاريين لإحداث فجوات في دفاعاتهم، ثم أرسلوا قوة هجومية لتحرير السجناء".

بلاد ينتشر فيها الظلم والإرهاب الرسمي وغير الرسمي، ومقابل ذلك حكومة قابعة في المنطقة الخضراء لا تعرف كيف تحفظ حياة المسجونين، فكيف يمكنها أن تحفظ حياة عموم الناس في الشارع العراقي!

ونختم تقريرنا بما قاله رئيس البرلمان الحالي أسامة النجيفي يوم 31 تموز/يوليو 2013، حيث أبدى قلقه ممّا أسماه تعرض عشرات المعتقلين للقتل والتعذيب في سجون البلاد، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على حقوق الإنسان "المنتهكة" في العراق.

وتشير منظمات حقوقية مختلفة إلى أن المواطن العراقي عرضة لانتهاكات في مجالس حقوق الإنسان من قبيل الاعتقال التعسفي، أو تعذيب المعتقلين وغيرها.

هذه باختصار بعض اللقطات الخاطفة من حكاية اقتحام سجني أبو غريب والتاجي. وهنا يمكن أن نسجل بعض المؤشرات، أو الملاحظات التحليلية المهمة المتعلقة بهذه العملية، ومنها:

1.     قدرة الفصائل المسلحة بغض النظر عن توجهاتها، على تنفيذ مخططاتها وهجماتها، في عموم البلاد، وهذه العملية نفذت على أكبر سجنين بالعراق.

2.     ضعف الإمكانيات القتالية للأجهزة الأمنية الحكومية؛ على الرغم من أعدادها التي توفق المليون وربع المليون مقاتل، وأيضًا على الرغم من الميزانية المفتوحة التي رصدت لها من قبل حكومة المالكي للأجهزة الأمنية.

3.     انهيار الجانب النفسي في القوات الحكومية، والدليل ما ذكرته صحيفة الحياة اللندنية، والكلام الذي استشهدت به في بداية هذا التقرير من أن: "المجموعة المسلحة التي اقتحمت سجن أبو غريب لا يقل عددها عن (50) مسلحًا"، وأن "المهاجمين، على ما يفيد التحقيق مع طاقم السجن، أنهم كانوا في وضع اطمئنان كامل، فقد جمعوا الفرش والأغطية وأحرقوها لإحداث فوضى في باقي أقسام السجن ثم نادوا على أسماء بعينها"!

وهذا يؤكد أن القوات الحكومية منهارة جدًا من الجانب النفسي، وإلا كيف يمكن تفهم مقدرة (50) مسلحًا فقط على تنفيذ مثل هذه العملية النوعية!

4.     هذه العملية تعتبر الضربة الأقوى والأكبر لرئيس الحكومة الحالية نوري المالكي، بعد ضربة الانتخابات الأخيرة التي فقد فيها أكثر من سبع محافظات في الجنوب والوسط.

5.     أكدت العمليات عجر الاستخبارات العسكرية الحكومية في تأدية مهامها على أتم وجه، وأيضًا ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية المتنوعة.

6.     تسببت الحادثة بأزمة سياسية حادة بين المالكي وبعض الجهات المشاركة له في الحكومة، حيث برزت للسطح، ولأول مرة، خلافات المالكي مع المجلس العراقي الإسلامي الأعلى، الذي يتزعمه عمار الحكيم، وحزب الفضيلة، وهذا يؤكد الحقيقة التي طالما رددناها أن هؤلاء الساسة مختلفون فيما بينهم إلا أنهم يظهرون عكس ذلك!

7.     العملية أحرجت رئيس الحكومة الذي يتبجح دائمًا بقدرة قواته على حفظ الأمن.

8.     ازدياد المطالب الشعبية والرسمية الداعية برحيل حكومة المالكي لفشلها الذريع في حفظ الأمن في البلاد.

أظن أن هذه أهم النتائج الملموسة للهجوم الذي وقع على سجني التاجي وأبو غريب.

في تصوري الشخصي أن المنطقة الخضراء (المحصنة) باتت اليوم قاب قوسين، أو أدنى من عملية، ربما نصحو بعدها على البيان رقم واحد في عراق خال من المالكي وأتباعه!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى