لعبة خلط الأوراق في العراق!



في كل يوم، بل في كل ساعة، معركة سياسية جديدة في عراق ما بعد عام 2003، والجميع يحاولون خلط الأوراق التي ما عدنا نفهم منها شيئاً، حتى الذين يعرفون القراءة والكتابة صاروا أُميين في "العراق الجديد"؛ لأن الأوراق لم تخلط فقط، بل تداخلت سطورها، وبالتالي يصعب على المتابع أن يعرف أي شيء عن محتواها الغامض أصلاً.
الفشل صار السمة الأبرز للمشهد السياسي العراقي، ولا تنفع المحاولات، أو المناورات السياسية للتغطية على هذا الخلل الواضح في إدارة الدولة في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية؛ وهذه الحقيقة أثبتتها منظمات دولية محايدة دولية وإقليمية وعراقية!
الفشل في ادارة البلاد دفع المشاركين باللعبة، أو العملية السياسية الحالية لرمي الكرة في ملعب الآخرين، عبر الاتهامات المتبادلة فيما بينهم، وهذا التراشق بالاتهامات هو حالة مألوفة في تصريحات هؤلاء الساسة، وآخر هذه التصريحات الهجوم "العنيف" الذي شنّه رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي ضد شركائه وخصومه، وكل ذلك من أجل أن يُظهر نفسه بأنه العامل من أجل مصلحة العراق، وهو المنقذ، أو مختار العصر كما يحلو لبعض أتباعه من المتملقين أن يلقبوه!
ومن أبرز صور الفشل في ادارة البلاد الفلتان الأمني، وأوضحها ما وقع مساء يوم 22/7/2013، حيث هاجم مسلحون سجني (أبو غريب والتاجي) في ذات الوقت، وكانت الحصيلة بحسب مصادر أمنية حكومية مقتل (36) شخصاً، وإصابة أكثر من (64) آخرين، ونتج عن هذا الهجوم هروب ما بين خمسمئة إلى ألف نزيل من السجن، بحسب تصريحات عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان حاكم الزاملي.
وفي ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء 23/7/2013، تابعت لقاء مطولاً لرئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي على فضائية العراقية، حيث تحدث المالكي مع مجموعة من المختصين في الاقتصاد عن العديد من الملفات الساخنة التي تشغل الشارع العراقي، ومنها الخروقات الأمنية المستمرة، وتردي الخدمات، وتفشي الفساد المالي والإداري وغيرها، واتهم المالكي شركاءه بوضع العصي بدواليب العملية السياسية الجارية الآن.
وخلال حديثه عن محاول اقتحام السجنين اتهم المالكي حراساً في سجن أبو غريب- أكد أنهم تابعون لما سماها مليشيات جيش المهدي- بالتواطؤ مع المهاجمين، و"أنهم ساعدوا المهاجمين، وفتحوا أبواب السجن لهم".
واتهم المالكي أيضاً مسؤولاً في وزارة الصحة ينتمي إلى التيار الصدري بتعطيل "مشروع بناء عشرة مستشفيات حديثة لأغراض سياسية".
كلام المالكي لم يكن وفقاً لتحقيقات مهنية جرت بعد حادثة السجن، وإنما هو ردة فعل على مطالبة زعيم التيار الصدري(مقتدى الصدر) باستدعاء رئيس الحكومة والمسؤولين الأمنيين على خلفية الهجوم على سجني أبو غريب والتاجي، الذي تبنته جماعة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، التابعة لتنظيم القاعدة.
وشن المالكي أيضاً هجوماً على شركائه في التحالف الوطني، واتهمهم بإفشال خطط حكومته؛ لتوفير الخدمات للشعب العراقي، وقال: "إن رئيس كتلة المجلس الأعلى في البرلمان جلال الصغير هو من أفشل قانون البنى التحتية ومنع تمريره في مجلس النواب".
وفي رده على تلك الاتهامات، قال رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان أمير الكناني لفضائية الجزيرة القطرية إن: " المالكي يريد تبرير فشله في إدارة البلاد، وخصوصاً الملف الأمني، عبر شن هجوم على القوى السياسية، ومنها التيار الصدري!".
هذه الاتهامات المتبادلة، أو المحاولات للتخلص من كرة النار الملتهبة، ورميها في أحضان أطراف مشاركة، أو غير مشاركة في العملية السياسية، هذه المحاولة بحد ذاتها هي جزء من الفشل المستشري في بلادنا، وهذه المحاولة البائسة لا تعفي رئيس الحكومة، وجميع المشاركين معه في العملية السياسية من مسؤولياتهم التاريخية والقانونية والأخلاقية عن الأخطاء الكارثية التي وقعت في بلادنا بدءاً من الاستعانة بالغرباء لاحتلال العراق وتدميره، وانتهاءً بالخراب والفساد والارهاب والترهل في الدولة العراقية!
أعتقد أن المالكي وقع في الفخ هذه المرة؛ لأنه اعترف اعترافاً صريحاً بخراب البلاد ودمارها، وأظن أن هذا الاعتراف وحده يكفي- كدليل- لإدانة المالكي وأعوانه، ولضرورة انسحابهم جميعاً من المشهد السياسي العراقي، وإلى الأبد!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى