فقاعة تهز الجبال!




السياسة تعني فن الحُكم، والقواعد المنظمة للعلاقات بين الدولة والشعب من جهة، وبينها وبين غيرها من الدول، أو المنظمات الدولية مما يدخل في نطاق القانون الدولي والدبلوماسي من جهة أخرى.


والسياسة هي عبارة عن منظومة دقيقة يتم في إطارها توصيل مجموعة من الأفراد والجماعات، أو الشعب، الذين تتباين- في العادة- آراؤهم، واتجاهاتهم، ومصالحهم إلى قرارات جماعية تخدم الدولة والمجتمع على كافة المستويات، وفي الإطار الداخلي والخارجي.

والمشهد العراقي الحالي لا يمكن تفهم السياسة الحكومية المتبعة فيه بسهولة، فالحكومة تدعي أنها ديمقراطية، وفي ذات الوقت تزج بمئات الآلاف من الأبرياء في معتقلاتها؟!

وتدعي أنها مستمرة في تقديم خدماتها للمواطنين، والعديد من المحافظات، ومنها العاصمة بغداد غرقت في أول اختبار للخدمات في فصل الشتاء الحالي، وغير ذلك الكثير من الناقضات التي تحتاج لدراسات اكاديمية وبحثية.

المظاهرات المستمرة في العراق اليوم في أكثر من نصف البلاد، وهي بالمناسبة خارج سيطرة الدولة حيث شملت المظاهرات الانبار والموصل وصلاح الدين، وهذه جميعها الآن خارج سيطرة الحكومة، وأيضاً فان المظاهرات امتدت لمدن ديالى وكركوك، والأخيرة تحت سيطرة الحكومة الكردية، ولا يمكن للحكومة المركزية التحكم فيها، فضلاً عن محافظات الشمال ( دهوك واربيل والسليمانية) التي هي أصلاً لا دخل للحكومة فيها بأي حال من الأحوال، أقول هذه المظاهرات ينبغي على الحكومة أن لا تستهين بها، ولا تنظر إليها بمنظار ضيق.

وقبل أيام قال رئيس الحكومة الحالية خلال لقاء مع فضائية العراقية الحكومية إن هذه المظاهرات فقاعة ونتنة!

وأظن انه وضع نفسه في مأزق لا يحسد عليه، فالرجل تصور أن صبر العراقيين سيستمر على الحال المتردي في البلاد، وأنه بمجرد التلويح باستخدام القوة سيجعل هذه المظاهرات أثراً بعد عين، وهذا التصور بعيد عن الواقع.

الفقاعة التي وصفها هي التي وقفت بوجه الأمريكان في معركة الفلوجة الأولى والثانية، وهي التي أرغمتهم على قبول الاتفاقية الأمنية، ورحيل معظم قواتها من العراق.

العراق (الجديد) الذي فصلته أمريكا على وفق مزاجيتها السياسية ومصالحها في المنطقة يعاني اليوم من موجة غضب جماهيري لم تتوقف عند المدن الغربية والشرقية والشمالية، بل امتدت هذه الاحتجاجات إلى بعض المدن الجنوبية، ومنها مدينة البصرة.

الغضب الجماهيري المتفجر في أغلب مدن العراق لم يكن وليد الساعة، وإنما هي تراكمات لسنوات طويلة، أو هي كما وصفها بعض الساسة النار التي تكمن تحت الرماد. وحتى يكون كلامنا بحيادية وموضوعية فإن الأسباب الداعية لشق الكفن في العراق كثيرة، ففي العام الماضي فقط اعتقلت الأجهزة الأمنية أكثر من (12000) مواطن، وهذا يعني أن معدل الاعتقال لا يقل عن (35) شخصاً يومياً، وهذا معناه أننا أمام (35) عائلة تكون في مهب الريح يومياً؛ لأن المعتقلين إذا كانوا من الموظفين تتوقف رواتبهم، أما غير الموظفين فمن المؤكد أنهم ستنتهي مصادر رزقهم!

نحن أمام مأساة اجتماعية مستمرة ضحاياها مئات الآلاف من المعتقلين، غالبيتهم من الأبرياء، وهذه الأرقام لا تتقبلها الحكومة، والواقع أنها معدلات مقبولة قياساً لمراحل الاعتقالات العشوائية التي وصلت أعدادها إلى المئات يومياً، وغالبيتهم لا تقدم أوراقهم للقضاء إلا بعد سنوات طويلة! 

مطالب الجماهير العراقية هي حقوق اعتيادية لكل مواطن يعيش في بلاد يدعي ساستها أنهم “ديمقراطيون”!

فهل يختلف اثنان على ضرورة القضاء على الظلم، وإيقاف الاعتقالات العشوائية، وإنهاء كارثة المخبر السري، وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وتحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية والسياسية بين العراقيين بكافة طوائفهم وقومياتهم؟!

الحكمة تؤكد أن على الحكومة أن لا تنسى، أو تتناسى منْ هم الذين وصفتهم بأنهم فقاعة، وتزوير التاريخ القريب أمر مخجل!

نتمنى الخير والسلامة للعراق وأهله، ولا نأمل أن يُدخل العراق في نفق مظلم لا يمكن أن يخرج منه بسهولة، وبدون أن يدفع أهله الفاتورة الباهظة الثمن، نتمنى ذلك!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى