خصائص الحراك العراقي المستمر



الإنسان الحر هو الذي يعيش منطلقاً في الحياة كانطلاقة العصافير الحرة التي تحلق في سماء الكون بلا اعتداء على الآخرين، وهو الذي لا يرضى أن تكبله ارادة الظلمة الذين لا يعرفون ماذا تعني مفاهيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان!
والحرية لا تعني، في ذات الوقت، الاستهتار بالقيم والمبادئ، وإنما يتوجب أن تكون منضبطة بضوابط الشرع والقانون والأعراف والمنطق، وبهذا تكون حرية مقبولة ومحترمة.
الربيع العراقي المستمر في بلاد الرافدين منذ أكثر من 26 يوماً يؤكد حجم الظلم الذي وقع على الإنسان وما حوله في البلاد، وهذه الأوضاع المتدهورة تبرهن -بما لا يقبل الشك- أن حكومة نوري المالكي قد أوغلت في اهمالها وظلمها للعراقيين، وعلى الرغم من ذلك فهي لم تتفاعل مع الحشود الكبيرة في الانبار والموصل وصلاح الدين وديالى وبغداد، ولم تكتف بتجاهلها لمطالبهم، بل راحت تكيل الاتهامات الباطلة لهم، ومنها: أنها مظاهرات طائفية، ومدعومة من الخارج، وغيرها من الأباطيل.!
ومطالب الجماهير العراقية واضحة وسلمية وإنسانية وقانونية ودستورية؛ وبالتالي فإن تجاهلها هو في الواقع تجاهل لكل هذه القيم الرفيعة!
والمتابع لهذه المطالب يجدها أنها تمتاز بجملة من الخصائص منها:
1- الشرعية؛ حيث إنها مطالب متفقة مع القيم النبيلة التي أمرت بها الديانات المختلفة.
2- العقلانية: من أهم خصائص الربيع العراقي أنه بعيد عن التهور وإثارة النزعات التدميرية التخريبية، ولم نشهد ونحن في الأسبوع الرابع من الحراك أي فعل يدلل على التهور، وهذه علامة تبشر بالخير، وهي من متطلبات تحقيق الأهداف المشروعة.
3- الدستورية؛ حيث إن هذه المطالب متفقة مع الدستور العراقي الحالي، على الرغم من اعتراضنا على آلية وغالبية نصوص هذا الدستور، حيث جاء في المادة (15) من الدستور على أن: «لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق، أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة!».
وغيرها العديد من المواد الدستورية التي لا نجد من ينفذها على الأرض في العراق اليوم!
4- السلمية: المظاهرات دخلت في اسبوعها الرابع، وهي -حتى الساعة- لم تستخدم الأساليب الهمجية التخريبية، بل ظلت تردد شعار «سلمية، سلمية».
5- الوطنية؛ حيث إن هذه المطالب تؤكد وحدة العراق، والابتعاد عن المشاريع التقسيمية الهادفة إلى إضعاف الوطن عبر تفتيته، وكذلك فإنها بعيدة كل البعد عن الطائفية والمذهبية، وهذا ما أكدته الحشود الجماهيرية في شعاراتها التي رددتها بكل صراحة.
6- الشعبية: هذه المظاهرات شارك فيها الأمير والخفير، والغني والفقير، ولا يمكن لأي جهة أن تدعي أنها تقف وراءها كاملة، بل هي ثورة شعبية بامتياز.
7- العفوية: وهي تعني الصدق والصراحة مع من تتعامل معهم، وهي تعني أيضاً الصفاء والنقاء، وتعني البساطة، ولهذا كانت مطالب الجماهير واضحة وصريحة وبسيطة.
8- المليونية: امتازت هذه المظاهرات بأنها تعدت حاجز المليوني متظاهر في عموم البلاد؛ وهذا يؤكد عمق الجراح في الجسد العراقي.
9- الإنسانية: مما لا شك فيه أن هذه المطالب تحمل في طياتها أبعاداً إنسانية، فهي تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان العراقي، وهذا مما لا خلاف على شرعيته وقانونيته بين العقلاء والشرفاء.
10- الذاتية: ومعنى ذلك أنها انطلقت من الهم العراقي، وليس لأي طرف آخر غير عراقي أي دور فيها، وهذا مما يعرفه القاصر الداني من العراقيين وغيرهم، وأيضاً فإن تمويلها هو تمويل ذاتي عبر التعاون ما بين العشائر الكريمة المختلفة.
الحراك العراقي الجامع لكل هذه الخصائص الراقية والمتميزة، لا يمكن الالتفاف عليه بوعود كاذبة وعهود مزيفة، والجماهير العراقية هي جماهير واعية، وعليه كانت جمعة يوم أمس تحت شعار «لا نُخادع»، وهذه رسالة واضحة وموجهة للمالكي، ومن معه بأن الحراك حدد أهدافه بدقة، ولن يتوقف إلا بتحقيقها.
هذا الوعي يبشر بجملة من الأمور؛ منها: حتمية انتصار الارادة الجماهيرية، وكذلك اصرارها على تحقيق أهدافها، ووعيها بما يحاك ضدها من مؤامرات، حتى لو تم إلباسها لباساً وطنياً!
جماهير الحراك العراقي، الشرعي، العقلاني، الدستوري، السلمي، الوطني، الشعبي، العفوي، المليوني، الإنساني، الذاتي، تلك الجماهير لا أظنها ستُخدع ثانية، بوعود معسولة، وهي لن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها المشروعة، وهذا ما ستثبته الأيام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى