«القائد الديمقراطي» وتهديده المتظاهرين!


ما أسهل الكلام عن المبادئ والقيم أمام وسائل الإعلام، وحينما تستمع لكلام بعض الساسة تظن أن هذا الشخص لا ينام الليل الطويل، ولا يعرف معنى الراحة من أجل الوطن والمواطن.
ونحن في العراق لم تعد تنطلي علينا مثل هذه الأساليب التي ظاهرها الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وداخلها الدكتاتورية والظلم وانتهاك أبسط مقومات الحياة الحرة الكريمة.
وسمفونية تجربة العراق الجديد والديمقراطية وغيرها من الألفاظ التي مجتها مسامع العراقيين، صرنا نسمعها في كل صباح ومساء، وليتهم كانوا صادقين في هذه الدعوى!
وفي يوم الاثنين 31/12/2012، ختم نوري المالكي رئيس حكومة المنطقة الخضراء عامه السياسي بواحدة من أكبر انتكاساته السياسية، وما أكثرها، حيث عدّ الاعتصامات المستمرة حالياً في الأنبار وغيرها من مدن عراقنا الحبيب مخالفة للدستور العراقي.
ولا ندري عن أي دستور يتكلم المالكي، فالمادة (38) من الدستور العراقي الحالي تنص على:
اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
ولم يكتف «القائد الديمقراطي» بذلك الكلام غير الدستوري، بل وجه تهديداً مباشر للمتظاهرين: «أقول لأصحاب الأجندات، لا تتصوروا أنه صعب على الحكومة أن تتخذ إجراءً ضدكم، أو أن تفتح الطريق وتنهي القضية، ولكن عليكم أن تعلموا أن الوقت ليس مفتوحاً، وعليكم التعجل في إنهاء هذا الموضوع، وأحذركم من الاستمرار، لقد صبرنا عليكم كثيراً، ولكن لا تتوقعوا أن المسألة مفتوحة، ولا تتوقعوا التمرد على الدولة».
الاسلوب الدكتاتوري الذي يقود به المالكي اليوم دفة الحكم في البلاد، يهدف من ورائه إلى تحقيق جملة من الأهداف، منها بحسب ظنه:
1- إظهار عدم ميوله لطائفة معينة، وهذه اللعبة لا يمكن لأي عاقل منصف أن يتقبلها؛ لأن الطائفية واقع ملموس في معظم قراراته، فالكلام في وسائل الإعلام شيء، والحال على أرض الواقع شيء آخر، والعراقيون سئموا الأقوال، ويريدون أفعالاً حقيقية على الأرض، لقد كرهوا الخطابات الرنانة المزيفة وأصحابها، وهم لا يريدون إلا العيش كبقية شعوب الأرض!
2- محاولته الظهور كقائد لكل العراقيين، وإظهار نفسه كـ»محرر للعراق»، وهذه السمة أبعد ما يكون عنها المالكي، ومن جاء معه على الدبابات الأمريكية؛ لأنهم هم الذين دفعوا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لاحتلال العراق، وهم الذين ورطوها من أجل مصالحهم الشخصية والطائفية والفئوية، ولا يهمهم حتى لو احترق العراق بعدها!
أما ادعاء نجاحه بالسيطرة على الملف الأمني، فهذه لا يمكن قبولها مطلقاً، وإنما وعي العراقيين هو الذي قاد إلى مزيد من الهدوء النسبي في البلاد، وإلا فان العراق ما زال -حتى الساعة- من أخطر الأماكن في العالم!
3- إبراز دفاعه عن القانون والدستور وغيرها من المسميات الفارغة التي لا أثر لها على الأرض، بل هي أدوات يمكن استخدامها تبعاً للمصلحة الحزبية والشخصية!
الحال المتناقضة في البلاد يجعل الحليم حيراناً!
فوفقاً لأي قانون زُجّ مئات الآلاف من الأبرياء في السجون، من غير مبرر ولا تهمة إلا  رفضهم الاحتلال وعدم الرضوخ له ولأعوانه!
وأي ديمقراطية هذه التي تجعل المالكي يُهدد الجماهير التي خرجت تطالب بحقوقها بصورة سلمية وحضارية، وهي -حتى الساعة- لم تؤذ نملة على الأرض!
ما الذي قدمته حكومة المالكي للعراقيين حتى تُهددهم؟! إنها حكومة لا تستحق الرواتب التي تصرف عليها من ميزانية العراق، والأولى بها أن ترحل قبل أن تدمر البلاد أكثر وأكثر.
الوطنية ليست ثوباً يُشترى، أو سلعة تباع، بل هي كفاح وجهاد من أجل المبادئ والقيم والوطن، فأين هؤلاء الساسة من هذه المفاهيم الراقية؟!
العراق ينتفض اليوم على الظلم والطغيان، وعلى العراقيين الاصلاء في كل مكان أن ينحتوا مواقفهم بأيديهم، وأن تكون مواقفهم واضحة تجاه ما يجري في الوطن، فإن التأريخ سيسجل المواقف الخيرة والسيئة، ولا يمكن أن تمحى تلك المواقف من الذاكرة الإنسانية بسهولة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى