الملف الامني العراقي بيد منْ؟

منذ أن «انسحبت القوات الأمريكية» من العراق نهاية العام الماضي، ونحن نسمع بتصريحات، شبه يومية، مفادها أنّ الأجهزة الأمنية الحكومية مُسيطرة على الأمن في البلاد، والمتابع للمشهد العراقي يَعرف أنّ أمريكا لم تنسحب نهائياً، والدليل الهبوط الاضطراري للطائرة المروحية الأمريكية في إحدى مناطق بغداد يوم 27 كانون الثاني 2012، وهذا الخبر أكّده المتحدث باسم السفارة الأميركية في بغداد (مايكل ماكليلان) في ذات اليوم، حيث أكّد أنّ إحدى طائراتهم المروحية اضطرت للهبوط قرب نهر دجلة بسبب عطل فني، والغريب أنّ المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد (الفريق قاسم عطا) نفى هبوط الطائرة الأمريكية قبل ساعات من تأكيد السفارة الأمريكية! وهذا يعني أنّ قيادة عمليات بغداد لا تعرف من يُحلّق في سماء العراق، من الأعداء والأصدقاء!


الشارع العراقي تجتاحه اليوم مئات السيارات المظللة، وفيها رجال يحملون أسلحة فتاكة، ويملكون صلاحيات «قانونية» بالرد على أيّ مخاطر محتملة، وهذا الكلام ليس من جعبتي بل هو من حكومة المنطقة الخضراء التي اعترفت يوم 9/2/2012، وعلى لسان الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الاسدي بوجود (36) ألف متعاقد أمني عراقي وأجنبي من الولايات المتحدة وبريطانيا وجنوب أفريقيا ودول عربية ودول أخرى، وينتمون إلى (109) شركة أجنبية.
المهام المعلنة لهذه الشركات هي حراسة السفارات ومنشآت النفط والمسؤولين العراقيين والأجانب، فيما تتخوّف حكومة المالكي من قيام بعض هذه الشركات بعمليات تجسس استخبارية لصالح جهات أجنبية، فإذا كان وكيل وزارة الداخلية الأقدم يؤكّد أنّ «هناك أسماء غير معلنة لهذه الشركات، وأعدادا لم يتم الكشف عنها يعملون في الخفاء، وأيضا وجود بعض الأسلحة التي تستخدمها الشركات ولم تستطع الحكومة حتى كشفها الآن»!

فمن الذي يعلم، هل هذه من مهام المواطن البسيط، أم مهام أجهزة أمنية قوامها أكثر من مليون عنصر، وتدّعي أنّها تسيطر على الملف الأمني؟!

هذه الحقائق الخطيرة لم تقف عند هذا الحد، وإنّما يضاف إليها اعتراف الفريق (حسين كمال) وكيل وزارة الداخلية الحالية لشؤون الاستخبارات، الذي أكّد يوم 4/2/2012، تورُّط عدد من الشركات الأمنية الأجنبية في نشاطات غير شرعية لمصلحة أمريكا والكيان الصهيوني، مما تطلّب اتخاذ عدة إجراءات بينها مداهمة مقار الشركات داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة أسفرت عن ضبط أسلحة ومعدات محظورة!
التقرير الاستخباري السري الذي تلقّته الحكومة عن عمل الشركات الأمنية، والمكوّن من أكثر من (200) صفحة، تضمّن معلومات تؤكّد وجود أسلحة ومعدات ومواد يمكن استخدامها لصنع المتفجرات، في مقار هذه الشركات، واعترافات بتنفيذ اغتيالات ضد المسؤولين، وصوراً لخبراء متفجرات في ساحة أحدى الشركات الأمنية داخل المنطقة الخضراء يصنعون العبوات الناسفة الخارقة للدروع، وأنّ هنالك مخططات لإثارة البلبلة في منطقة الفرات الأوسط من خلال اغتيال عدد من شيوخ القبائل المعروفين.

هذه الاعترافات المتناقضة مع تصريحات رأس الحكومة وقائد عمليات بغداد، وبقية القادة الأمنيين تؤكّد، بما لا يقبل الشك، أنّ البلاد منخورة ومخترقة، والقرار السياسي والأمني والاستراتيجي ليس بيد العراقيين، وهذا باعتراف أقطاب من وزارة الداخلية المسؤولة عرفاً وقانوناً عن حماية الأمن الداخلي.
فإلى متى سيبقى أغلب رجال العملية السياسية يناقضون أنفسهم، ويضعون رؤوسهم في الرمال، ويتحدثون عن مهزلة الاستقلال، والإرادة الوطنية الحرة في اتخاذ القرارات، وكل من في العراق يعرفون أنّ البلاد تسيطر عليها أجهزة مخابرات دول إقليمية معروفة للقاصي والداني؟!
ليتكلّم هؤلاء الساسة بصدق، ولو لمرة واحدة في حياتهم، ويقولوا: إنّ المسيطر على البلاد هي أمريكا عبر سفارتها وعبر الشركات الأمنية، التي لا يمكن لكل صنوف القوات الحكومية اعتراضها، والحكومة في موقف المتفرج، ولا تستطيع أن تحرّك ساكناً إلاّ على أبناء جلدتها من الأبرياء الذين ملئت بهم السجون والمعتقلات والمهاجر!





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى