«العراقية» تعود للبرلمان.. أبشروا أيها المواطنون


جاسم الشمري - العراق
السياسة هي فن يتطلّب القدرة على إدارة الأزمات والمفاوضات، وبها تدار المفاوضات الموصلة للحقوق المشروعة وغير المشروعة، وهي ببساطة القدرة على تحقيق أكبر قدر من المكاسب وبأقل التكاليف، وهذا الكلام يكون بين الدول بعضها مع البعض الآخر.

اللعبة السياسية الجارية في عراق ما بعد عام 2003، يمكن تفهمها بسهولة، فهي لعبة بسيطة وغير مركّبة، لكنها في ذات الوقت معقّدة من جهة الحرب الباردة بين أطرافها، وجامدة في مكانها، ولم، ولن، تقدّم شيئاً لا للعراق ولا للعراقيين، وأسباب فشلها عديدة، ومنها أنّها فُصِّلت في خارج البلاد، ثم أرادوا إقحامها على المقاس العراقي، وهي للأسف الشديد غريبة عن التركيبة الوطنية، ثم برزت معالمها النهائية في ظل الاحتلال الأمريكي المسيطر على الأوضاع العامة في السابق والحاضر على الرغم من ادّعاءات الانسحاب، ومن أهم أسباب فشلها أنّها طائفية للبعض، وعرقية بالنسبة للبعض الآخر.
انتخابات آذار 2010 أفرزت كتلتين كبيرتين، الأولى بقيادة أياد علاوي وتسمى القائمة العراقية، والثانية هي دولة القانون بزعامة رئيس الحكومة الرابعة السابقة نوري المالكي، وبمجرد إعلان نتائج هذه الانتخابات وخلال ساعات قليلة بدأت المناوشات الإعلامية والفعلية بين الطرفين (العراقية ودولة القانون)، وهي مستمرة حتى الآن.
ومنذ أن غدر الشركاء بعضهم بعضاً ونحن نسمع بتهديدات شبه يومية من القائمة العراقية بالانسحاب من العملية السياسية، وبعد أكثر من عام ونصف من المماطلات نفّذت العراقية وعدها بالانسحاب، حيث أكّد الناطق باسمها (حيدر الملا) يوم 17/12/2011 أنّ اجتماع القائمة أفضى إلى أنّ الكتلة النيابية في مجلس النواب والكتلة الوزارية ونائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس مجلس الوزراء وقّعوا على استقالات ووضعوها تحت تصرف ائتلاف العراقية؛ من أجل اتخاذ القرار الذي يجدونه مناسباً، وأنّ (العراقية) اتّخذت قراراً بتعليق عضويتها في مجلس النواب حتى إشعار آخر اعتباراً من جلسة السبت (17/12)، ودعوة الكتل السياسية إلى عقد حوار حول طاولة؛ لوضع حد للأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد. إذا الغاية من الانسحاب، كما يقول (الملا): «وضع حد للأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد».
واستمرت المقاطعة، ولم تحصل «العراقية» على أيّ تنازلات من جانب خصمها اللدود المالكي، وبدون مقدمات وفي يوم 31/1/2012 قررت العودة للبرلمان، حيث قالت النائبة عن العراقية (ميسون الدملوجي): «إنّ الكتلة تعلن كبادرة لحسن النوايا عودتها إلى اجتماعات البرلمان؛ من أجل خلق مناخ صحي يساعد المؤتمر الوطني، ومن أجل السعي إلى ضمانات لنجاح المؤتمر وتجاوز الأزمة السياسية».
ولا ندري ما الذي قدّمته القائمة العراقية لنفسها أو للعراقيين حينما علّقت مشاركتها في حكومة المالكي أو في البرلمان الحالي؟! ألا يعرف ساستها أنّ هذه العملية السقيمة لا يمكن أن تكون البلسم الشافي للجرح العراقي الكبير، وأنّ أساليبهم الضعيفة هذه لم، ولن، تقدّم شيئاً للقضية العراقية، والعراقيون اليوم بحاجة إلى الأفعال وليس إلى الأقوال التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
القائمة العراقية ستستمر بالمطالبة بتنفيذ اتفاقية اربيل، التي وقعت بين أقطاب العملية السياسية في تشرين الثاني 2010 ضمن مبادرة مسعود بارزاني، التي تمخّض عنها تشكيل الحكومة ومنح منصب رئاسة الوزراء للتحالف الوطني، وتشكيل مجلس السياسات الإستراتيجية، على أن تناط رئاسته بالقائمة العراقية وتحديداً بأياد علاوي. وبالمقابل، فإنّ المالكي سيستمر بالمماطلة والتسويف، والتهرب من كل اتفاق سابق مع شركائه في اللعبة.
خلاصة القول، إنّ قادة العراقية لا يمكنهم الحفاظ على أنفسهم، والتخلص من مكائد شريكهم اللدود «المالكي»، ولا ندري كيف يمكنهم أن يقدّموا شيئاً لغيرهم وهم، في غالبيتهم، أضعف الضعفاء؟!
وهكذا، وفي ظل هذه المهاترات اليومية تستمر المأساة العراقية، عملية سياسية منخورة، شركاء متناحرون، حكومة طائفية حاقدة حتى على أبناء طائفتها، بلاد تشكو الإهمال في كافة الميادين وفي كافة الأماكن إلاّ في المنطقة الخضراء.
هذه المهزلة يجب أن تتوقف؛ وإلاّ فإنّ العراق سائر إلى ما لا يعلمه إلاّ الله.
Jasemj1967@yahoo.com

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

السفارة البريطانيّة ببغداد... ودبلوماسيّة (الأكلات العراقيّة)!

العيد وسياسات التغريب عن الأوطان!