جمهورية العراق " الاستبدادية" الديمقراطية


اختلف الناس في توصيف العراق بعد عام 2003، هل هو دولة «ديمقراطية»، كما تدعي أمريكا ومعها أغلب ساسة المنطقة الخضراء، أم دولة دكتاتورية استبدادية، كما يؤكد المناهضون للعملية السياسة السقيمة الجارية هناك؟!

هذه المعضلة لا يمكن الإجابة عنها بسهولة، ليس لعدم وضوح الرؤية، ولكن لأن لكل فريق أنصاره ومنابره الإعلامية، وإلا فإن الحال في العراق مأساوي ومؤلم، والدليل التفجيرات المستمرة،  والقتل اليومي، والملايين المهجرة في عشرات الدول.
ساسة المنطقة الخضراء، ومعهم ساسة البيت الأبيض الأمريكي يقولون إن العراق اليوم يعيش في حالة «مثالية ديمقراطية»، ومن ذلك قول المالكي في يوم 30/11/2011، خلال اتصاله بنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن: «بدأنا مرحلة جديدة في بناء الدولة، والتجربة العراقية الديمقراطية من أفضل الديمقراطيات في المنطقة»!
وبالمقابل، يؤكد الفريق المناهض للحكومة، وللعملية السياسية المشلولة بأن العراق يعيش اليوم في وضع مأساوي شاذ لا مثيل له في عموم العالم؛ لأن نظام الحكم في المنطقة الخضراء يدعي «الديمقراطية»، ويرتكب أبشع صور الظلم والاضطهاد والدكتاتورية!
وحتى نتفهم حقيقة الوضع في العراق من طرف محايد، سأنقل هنا مقتطفات من تقرير منظمة دولية إنسانية، وهي منظمة (هيومن ووتش رايت)، منظمة حقوق الإنسان، وهي - كما جاء على موقعها الرسمي على شبكة الانترنت- إحدى المنظمات العالمية المستقلة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها، وبإلقاء الضوء على حالات انتهاك حقوق الإنسان، وجذب انتباه المجتمع الدولي إليها.
وتؤكد المنظمة أنها تعطي المُعرضين للقمع فرصة للكشف عن الانتهاكات، وتحميل القائمين بالقمع مسؤولية جرائمهم، وتؤكد المنظمة أن تحقيقاتها الدقيقة والموضوعية، وجهود الدفاع عن حقوق الإنسان الاستراتيجية التي تستهدف أوضاعاً وقضايا بعينها، تفرض ضغوطاً متزايدة من أجل التحرك لمنع انتهاكات حقوق الإنسان وجعلها باهظة الكلفة.
هذه المنظمة الدولية المستقلة أكدت على لسان مديرتها لشؤون الشرق الأوسط (سارة لي ويتسن) يوم 22/ كانون الثاني/ يناير 2012، وذلك في تقريرها السنوي أن العراق ينزلق بسرعة إلى الحكم الاستبدادي، كما تقوم قواته الأمنية بقمع المتظاهرين، ومضايقة الصحافيين، وتعذيب المعتقلين، وأن ذلك يحدث على الرغم من تأكيدات الحكومة الأمريكية أنها ساعدت في بناء ديمقراطية مستقرة. والحقيقة أنها تركت وراءها نظاماً أمنياً، وأن العراق لا يزال واحداً من أكثر الأماكن خطورة في العالم بالنسبة للصحافيين، وحقوق المرأة ما زالت ضيقة، والمدنيون يدفعون ثمناً باهظاً بسبب التفجيرات! ومما جاء في هذا التقرير الصريح التذكير بالعثور على سجن سري في شباط (فبراير) 2011، تديره قوات تابعة لحكومة المالكي، وكذلك قيام مجموعة من «البلطجية» في حزيران (يونيو) الماضي مدعومون من الحكومة، ومسلحين بالأسلحة البيضاء، والألواح الخشبية، بمهاجمة متظاهرين مسالمين تحت أنظار قوات الأمن التي وقفت موقف المتفرج!
وفي اليوم التالي لنشر التقرير الدولي المستقل، سارعت حكومة المالكي – كعادتها- لإنكار ما جاء فيه، حيث استبعد (علي الموسوي) المستشار الاعلامي للمالكي أن يكون تقرير المنظمة وضع استنادا الى زيارات ميدانية للعراق، وقال إنه مكتوب بناء على شهادات من جهة واحدة، وإن العراق فيه برلمان، وانتخابات حرة، ونظام ديمقراطي، وإن ادعاء المنظمة فارغ، ولا يستند إلى الحقائق، إنما هي أحكام مسبقة!
وفي تعقيب مخجل، بخصوص المظاهرات المستمرة في البلاد، يُظهر مدى دكتاتورية هذه الحكومة، واستخفافها بالجماهير المستنكرة لظلمها ودكتاتوريتها، أكد الموسوي أن «الحكومة لا تحتاج الى استعمال العنف ضد المتظاهرين؛ لأنهم لا يمثلون شيئا للحكومة»!
الأسلوب المتبع من قبل حكومة المالكي ناقصة الشرعية لا يمكن أن ينطلي على الجماهير العراقية الغاضبة، ولا على المتابعين للشأن العراقي؛ لأن حقائق الاستبداد بالسلطة، وإقصاء الآخرين، وغيرها من صور الدكتاتورية، أُكدت من قبل شركاء المالكي في الحكومة الحالية، وأسلوب تكذيب الآخرين، بما في ذلك المنظمات المستقلة، هو جزء من الدكتاتورية التي لا تسمع إلا ما يحلو لها!
هي دكتاتورية حقيقية وبامتياز، فهنيئاً للعراقيين بها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!