توقفوا عن إبادة الشعب العراقي




الحلول الناجحة لأي مشكلة تنطلق من دراسة دقيقة وشاملة لكافة جوانب الإشكالية التي يراد إيجاد الحل لها، والحلول الارتجالية لا يمكن أن تقود إلى الخلاص من الواقع المؤلم؛ لأنها في الغالب لا تنطلق عن دراسة وتمحيص.



والمشكلة العراقية المعقدة بعد عام 2003 لها أكثر من جانب خطير، وبرأيي انه في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي المزعوم، تكمن صعوبة الإشكالية العراقية بالتزييف للواقع المعاش، وتصوير الألم على انه نعمة، والموت والخراب على انه رفاهية واعمار!!!


في مرحلة ما بعد عام 2003، وحتى الانتخابات الأولى وجدنا تعاطفا كبيرا - خصوصا من الشعوب العربية - مع الشعب العراقي؛ بسبب حجم المأساة اليومية الواقعة عليهم جراء الانتقام الأمريكي من القوة المقاومة لتواجدهم، وبالتالي كانت المحصلة عشرات آلاف من الشهداء والمعاقين والأسرى شهريا، وحينما جرت الانتخابات الثانية عام 2010، ازداد حجم المأساة العراقية، وذلك لأكثر من مبرر ومنها، أن العديد من الأطراف الحكومية، والأمريكية، وبعض الدول العربية والأجنبية، أقنعت نفسها أن كل الشعب العراقي، وبكافة أطيافه قد مثل في هذه الانتخابات، وقد شارك في هذه الانتخابات، وبهذا فان من تم انتخابهم يمثلونهم!!!


هذه "الحقيقة" المزعومة هي كذب، وتشويه لحقيقة الوضع في البلاد؛ لأنه حينما تمت تلك الانتخابات كان هنالك أكثر من خمسة ملايين عراقي، مشرد في الداخل والخارج، وهنالك مناطق أقفلت من قبل عصابات حكومية، وزرعت – حينها- العبوات الناسفة المانعة لوصول الناخبين لصناديق الاقتراع، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من العراقيين، ومنهم القوى المناهضة للاحتلال لا يؤمنون بنزاهة الانتخابات، ولا بالعملية السياسية التي تدار في ظل تواجد عشرات الآلاف من القوات الأجنبية المحتلة حينها!!!


المسألة العراقية اليوم تعاني من إهمال متعمد أحياناً، وغير متعمد أحيانا أخرى من بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية، والمنابر الإعلامية المحلية الحكومية؛ لأنها لا تعرض حقيقة الواقع المؤلم لملايين العراقيين في ظل التفجيرات اليومية الحاصدة لأرواح عشرات الأبرياء منهم.


وهنا سأقف عند نموذج مصغر من حجم الكارثة اليومية في الشارع العراقي، وهي الجريمة البشعة التي وقعت يوم الخميس 5/1/2012، في مدينة الثورة (الصدر حاليا) التي تعكس مدى الانحطاط والدونية التي وصل إليها المتاجرون بالقضية العراقية، فكيف يمكن تفهم استهداف مجموعة من العمال الكادحين الذين لا يملكون مصادر رزق ثابتة إلا عبر ما يكسبونه من عمل أيديهم في البناء والأعمال الشاقة الأخرى؟!!


إنه إجرام لا يهدف لإثبات أن الوضع الأمني في البلاد هو وضع هش،، وإنما يهدف إلى زرع فتنة طائفية بين مكونات الشعب العراقي الصابر.


كل الدلائل تشير إلى تورط بعض الأحزاب والمنظمات الداخلة في العملية السياسية بالوقوف وراء تفجيرات مدينة الصدر والناصرية والكاظمية الأخيرة، وهي كما يعرف الجميع مناطق "شيعية" شبه مقفلة.


وكل متابع للشأن المحلي العراقي يعرف أن أقطاب العملية السياسية يهربون من الخلافات المتفاقمة بينهم عبر إشغال الناس بالقتل والتدمير والتفجيرات الاجرامية، والمتهم حاضر منذ لحظة ما قبل التفجير، وهم الظلاميون وأعداء الديمقراطية في "العراق الجديد".


اتهامي لبعض الأطراف العاملة في العراق لم يأت من فراغ، وإنما هي التجربة المريرة، هي التي قادتني لهذا الاتهام، وحينما أتممت المقال وجدت في صحيفة المستقبل اللبنانية التصريح الآتي: " إن دبلوماسيين في بغداد لفتوا إلى أن الطرف الذي نفذ مسلسل التفجيرات الأخيرة في العراق كان في وضع يسمح له بالتحرك بحرية، وتخطي كل الحواجز الأمنية والعسكرية بسهولة"!!!


العراقيون والأمريكان يعرفون جيداً منْ يستطيع التحرك بسهولة في داخل بغداد، دون أن يتعرض لمضايقات نقاط التفتيش الطائفية، ومدينة الصدر والكاظمية والناصرية، لا يمكن الدخول لها بسهولة، وخصوصاً في مثل هذه الأيام التي توافق الزيارة الأربعينية، والاحتفالات المرافقة لهذه المناسبة، ووجود عشرات السيطرات " نقاط تفتيش" الحكومية والمدنية.


إذاً تبقى دائرة الاتهام ضيقة، وضيقة جداً، وهي لا تتعدى بعض الأحزاب التي من مصلحتها استمرار الخلافات الطائفية بين العراقيين، لضمان بقائهم في السلطة، وانتفاعهم بالسحت الحرام المسروق من قوت العراقيين.


هذه المهزلة يجب أن تتوقف، وينبغي على كل منْ يحمل ذرة من الإنسانية والمبادئ، وعلى كل المنظمات الإنسانية المحلية والعربية والدولية، وعلى أصحاب الرأي من الصحفيين، ورجال الفكر، والعلماء، وطلاب العلم، وكل منْ له كلمة مسموعة في أي منبر في العالم أن يظهر حقيقة الإجرام الواقع في بلاد الرافدين منذ عام 2003 وحتى الآن.


قتل الأبرياء جريمة يندى لها جبين الإنسانية، والشعب الأعزل ليس من الشجاعة، ولا من الرجولة، ولا من الشرف استهدافه، وهذه الجرائم سيكتبها التاريخ مطرزة بالخزي والعار على من نفذها.


حدثنا التاريخ أن الشعب العراقي شعب لا يمكن تضليله ولا خداعه، والعراقيون اليوم - كما عرفت من أصدقاء أحباب في الداخل - واعون لما يجري في مناطقهم، من تفجيرات واغتيالات وانتهاكات لحقوق الإنسان، وهم يعرفون أن أغلب هذه الأعمال الإجرامية تتم بأيادي حكومية تابعة لهذا الطرف، أو ذاك، وأنهم يعرفون - على الأقل- الطريق العام المُوصل للقتلة، وأنهم مصرون على الانتقام منهم في يوم ما، وربما سيكون قريبا.


الربيع العراقي قادم، والتحرير الحقيقي قريب، وسينطلق من الجنوب قبل الوسط والغرب، وأحفاد الثورات التغييرية الحديثة سينطلقون من عرينهم ليُعلموا رجال الوطنية الكاذبة أن العراق المختطف يجب أن يقف على قدميه، وأن يكون لكل العراقيين من عرب وأكراد، من سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة، وكل الأقليات المحترمة الأخرى.


التغيير قادم، فانتظروا يا رجال المنطقة الخضراء صولة العراقيين الغيارى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى