المهدي أول شهداء التغيير القادم في العراق




تناقضات، واستخفاف بعقول ومشاعر ملايين الناس، وفساد مالي وإداري، واغتيالات منظمة في الليل والنهار، وترهيب، واعتقالات عشوائية وغير عشوائية، بلاد كُتب فيها أول قوانين الحضارة الإنسانية على وجه الكرة الأرضية، وهي تعيش اليوم بلا قانون، خطف واغتيال وتهجير على الهوية، والحكومة تقول انها ماسكة بزمام الأمور، اعتقد أن الجميع يعرفون إنني أتكلم عن العراق اليوم؛ لان هذه الصور المأساوية لا توجد إلا في هذا البلد المغتصب، وهذه – ببساطة- حال بلاد الرافدين التي أُختصرت اليوم – مع الأسف الشديد- في بضعة كيلومترات مربعة هي المنطقة الخضراء!!!
العراقيون الأوفياء دفعوا ضريبة موقفهم الصادق من الاحتلال وما تمخض عنه، وفي مقدمة الذين دفعوا ثمن صمودهم رجال السلطة الرابعة، وهم الصحفيون، أو الإعلاميون لتشمل المفردة كل من له علاقة بالإعلام المرئي والمسموع والمقروء.
وموقف الحكومة الحالية واضح بأنه ضد الإعلام الحر، وما إغلاق مكاتب البغدادية والرافدين والعديد من القنوات الأخرى إلا دليل بَين على بغض الحكومة للإعلام الذي لا يطبل لها!!!
فضائح استهداف الصحفيين في العراق صارت من الحقائق التي لا يمكن طمسها، وبالمقابل تحاول الحكومة تجميل صورتها لتظهر على انها حكومة تعمل " بشفافية"، وتقبل النقد والرأي الآخر، ومن هذا المنطلق، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام من النقاشات، تم إقرار ما يسمى قانون (حماية حقوق الصحفيين)، والقرار يحمل الرقم (23)، وتم توقيعه من قبل الرئيس الحالي جلال الطالباني بناء على ما اقره مجلس النواب، وذلك بتاريخ 21/ 8/ 2011، وجاء في الأسباب الموجبة للقانون، انه واحتراماً لحرية الصحافة والتعبير وضماناً لحقوق الصحفيين العراقيين، وتوكيداً لدورهم الهام في ترسيخ الديمقراطية في العراق الجديد تم إصدار هذا القرار.
وفي قراءة مبسطة لهذا القرار نلاحظ أن المادة الثانية منه، أكدت أن القانون يهدف إلى تعزيز حقوق الصحفيين، وتوفير الحماية لهم، فيما ذكرت المادة - 4- أولاً أن للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة، وله الحق في نشرها بحدود القانون، ذكرت المادة ـ 8ـ أنه لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من رأي، أو نشـر معلومات صحفية، وأن لا يكون ذلك سبباً للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون.
والإنصاف يحملنا أمانة القول أن هذه الفقرات راقية من حيث الصياغة، كحال بقية القوانين التي صدرت بعد عام 2003 في بلاد الرافدين، لكن واقع الحال على النقيض من هذه الصورة الوردية الزاهية، حيث إن الصحفيين هم أهداف مستمرة للميليشيات المتنفذة في العملية السياسية، وكان آخر ضحية في سلسلة العقد الذهبي لشهداء الكلمة الحرة من نصيب الإعلامي والمسرحي العراقي البطل ( هادي المهدي) الذي عثر على جثته داخل منزله في بغداد يوم الخميس 8 أيلول/ سبتمبر 2011!!!
وهكذا، وفي يوم مليء بالصمت الملفوف بالألم والحسرة، وفي ذات الوقت يعكس عمق الإيمان بالله تعالى، ودعت الأسرة الصحفية العراقية الفقيد " المهدي"، الذي عُرف بدعواته المستمرة للإطاحة بالحكومة، والدعوة للتظاهر ضدها، والمنطق يدفعنا لاتهام الحكومة؛ لأنها المستفيد الأكبر من تغييب المهدي، بينما اتهم أهالي منطقة الفقيد – الكرادة- في رسالة إلكترونية موقعة باسم لفيف منهم - ونشرتها وكالة أنباء شط العرب - عناصر من حمايات (حيدر العبادي) النائب عن ائتلاف دولة القانون، والقيادي في حزب الدعوة بعملية تصفية المهدي، وتذكر الرسالة أن الأهالي التقوا قبل أيام بأحد حمايات النائب العبادي، واسمه " ستار"، وطرح عليهم أسئلة عن الشهيد، وعمن يسكن معه؟، وهل يحتفظ بسلاح في البيت؟، وعن لقاءاته العامة وضيوفه، وكان آخر مرة يسأل فيها "ستار" قبل يوم من استشهاد المهدي.
ومما يظهر تورط حماية العبادي بالجريمة تأكيد الأهالي أن منطقتهم مزودة بكاميرات مراقبة، وأنهم شاهدوا " ستار" فوق الجدار المنصوب عليه إحدى هذه الكاميرات الموجهة صوب منزل الفقيد، وهو مشغول بها، وعندما سألوه عن سبب الصعود فوق الجدار؟، قال: (أنه يريد قراءة نوع " ماركة الكاميرا" لشراء عدد منها بغية نصبها حول بيت النائب حيدر العبادي)، واكتشف الأهالي في اليوم التالي لجريمة الاغتيال أن " ستار" كان قد أنتزع أسلاك الكاميرا للتستر على الجناة!!!
شهيد الرأي " المهدي" كان يتوقع تصفيته في أية لحظة؛ وذلك بعد تلقيه العديد من رسائل التهديد في الآونة الأخيرة؛ بهدف حمله على التراجع عن تنظيم مظاهرات يوم الجمعة، المستمرة في بغداد منذ عدة أشهر.
المهدي واجه قدره المحتوم بكل شجاعة، وكتب في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قبل ساعات من اغتياله بأسلحة كاتمة للصوت" إنه قد يكون أول ضحايا التغيير في العراق"!!!
نعم، شرارة التغيير انطلق في بغداد، ولن تخمد إلا برحيل الاحتلال وأعوانه، وهذا الأمر بات قاب قوسين، أو أدنى من العراقيين الأحرار.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى