أين العيد يا بغداد؟



بغداد عاصمة الرشيد، مفخرة الدنيا ومنارة العلم وقبلة العلماء، مدينة الخير والكرم والكرامة، حاضرة العزة والمجد، تغنى بحبها الأمراء والشعراء والأدباء، ومات كمدا من فارقها مخيراً، وعاش صريع الآهات والحنين والألم من تركها مرغماً.
بغداد الحبيبة عروس غدر بها أقرب الناس، وتقربوا إلى شياطينهم بنحرها، وتزلفوا إلى آلهتهم الباطلة بقتل أهلها ونَهب ثرواتها؛ كأنهم (غربان شر) ملأوا أحياءها بالخراب والدماء وسفك الأعراض.
حاكوا عليها مؤامرة كبيرة، فبينما كانت بغداد الجميلة تُسرح شعرها على ضفاف دجلة غدر بها الأشرار، لينشروا الرعب في قلبها الطاهر، ويملأوا أزقتها العفيفة بالحقد والرذيلة، وكل هذا العار صار بمساعدة حفنة من العملاء الذين أقسموا في لندن وصلاح الدين على ذبح بغداد في أمر دبر بليل.
نشرت بوارجهم التي عبروا بها المحيطات الرعب والدمار، وهطلت صواريخهم على عرس بغداد كالمطر ليرتوي نخيل العراق من دماء أبنائه، وهذا هو السر في عشق العراقيين لأرضهم، وقُتل وغُيب وهُجر كل من وقف لنصرة بغداد، وقال لها: أنا أُحبك!
العملاء والغادرون، تجردوا من إنسانيتهم، وكذبوا عليك، وعلى كل الدنيا، وقالوا: إنهم جاؤوا لنشر الخير والديمقراطية في ربوعك، وليتهم فعلوا، بل خدعوك، وغدروا بك، وزينوا شوارعك الأنيقة بالقتل والخراب، تماماً كما فعل التتار بالأمس في ربوعك، وكأنني أراهم يعودون ثانية، وصدق من قال إن التاريخ يعيد نفسه، (تتار اليوم) وزعوا في بغداد القتل، وخربوا العمران، ونهبوا المتاحف، وسرقوا الثروات، وأحرقوا الجامعات، ونثروا الأموال لشراء ذمم الضعفاء، تماماً مثل ما فعل هولاكو!
الذين غدروا بك يدعون أنهم من محبيك، وواقع الحال يؤكد أنهم حاقدون عليك وعلى أهلك، وعلى ضفيرتيك الجميلتين دجلة والفرات، وعلى عفتك وطهارتك ونبلك، هم أشرار لبسوا ثياب التقوى؛ ليخدعوك بحبهم، ولكنك كنت أذكى منهم – كعادتك- وعرفتهم على حقيقتهم، ووقفت لهم بشموخك المعهود، وانطلقت رماح حبك من كل نخيل العراق، ولتتحول سعفات النخيل إلى صواريخ تنطق بالحق في زمن قل فيه ناصروك، وقف أحبابك وقفة مشرفة، شدوا سواعدهم بالإيمان بطهر قضيتهم ورفعة هدفهم، وقرروا أن خلاصك من المحتل غايتهم.
العيد هو رمز للفرحة وللمسرة، وهو عنوان للقاء الأهل والأحبة، وهو سيل طاهر ينقي القلوب من الأحقاد والبغضاء، بعيدا عنك يا بغداد أغلب هذه المعاني نُحرت في نفوسنا، أكثر من (12) عيدا ونحن نراك عبر التلفاز والأخبار، حُرمنا من طيبتك ورقتك وحنانك، فأنت الأم والأهل والأحباب. (12) عيدا بعيداً عنك نبدأها بالتكبير، ممزوجا بدموع الغربة، وآهات الفراق، ولوعة البعد، وسقم وضريبة الهجران.
العيد بعيداً عنك يا بغداد جعلنا نشعر أننا أموات بين الأحياء، وهجرك يا بغداد سقم للأرواح وقتل للفرح والابتسامة.
بغداد فداك الأهل والأولاد والأرواح والأموال والمهج، يضيع ويتيه من دونك من يفارقك، فأنت البوصلة، وأنت الربان، وأنت كل معاني الحب والسرور والبهجة والحكمة.
أخبرتنا كتب التاريخ أن الحاقدين عليك احتلوك عشرات المرات لكنهم يهزمون في نهاية المطاف، وتنتصرين عليهم بصبرك المنقطع النظير!
رغم عظم المؤامرة التي تحاك ضدك فانك ستبقين يا بغداد مدينة عصية على المحتل وأعوانه، وأنصف الدكتور الشاعر (عبد الودود القيسي) وهو يخاطبك يا بغداد قائلا:-
قولوا لبغداد أين العيد يا بغداد؟
وفي محياك آلام وتســــهاد
وفي جبينك جرح نازف ألماً
وفوق أرضك غدارون أَوغاد
غدا بفضلك يا رحمن تنصرنا
فالنصر للصبر والإيمان ميعاد.
وصدق شاعر العراق، بدر شاكر السياب حينما قال:-
"الشمس أجمل في بلادي من سواها
والظلام، حتى الظلام هناك أجمل
فهو يحتضن العراق".
أقسمنا يا بغداد أننا سنعمل من أجل ترابك الطاهر، ولن نهدأ، ولن نفرح، إلا وأنت حرة طليقة، على الرغم من صعوبة المهمة وجسامة التضحيات، فأنت تستحقين بذل الغالي والنفيس؛ ونحن من غيرك يا بغداد أيتام، مرهقون، متعبون، وتائهون.
صبراً يا بغداد، صبراً يا عراق، صبراً يا أهلنا الأخيار، فإن ساعة النصر ستدق قريباً رغم التحديات الكبيرة التي تحيط بنا، لكن إيماننا بالله أولاً، ثم بتصميمنا سنصل إلى ضفة النصر والخلاص من الاحتلال وأعوانه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى