مذبحة جديدة والحكومة متحصنة في المنطقة الخضراء




الأمن في كل بلدان العالم مسؤولية الحكومة والأجهزة الأمنية التابعة لها، وفي كل الدول هنالك وزارات أمنية لحماية الدولة وأرواح المواطنين إلا في العراق الجديد، وفي ذات الوقت ما زال رئيس الحكومة الحالية في المنطقة الخضراء نوري المالكي يتولى الملف الأمني في البلاد في الوزارات الأمنية كافة (الداخلية، الدفاع، الأمن الوطني)، وفي يوم 14/ 8/ 2011 قال المالكي إن وزارتي الدفاع والداخلية أصبحت تدار بشكل مؤسساتي منتظم، وكأنه يريد أن يوصل رسالة إلى خصومه أن هذه الوزارات ليست بحاجة إلى وزراء!!!
ومحصلة هذه الفوضى الخلاقة، أنهار من الدماء الزكية. ومن ضمن هذه الحقائق المؤلمة المجزرة التي خلفتها التفجيرات التي هزت أكثر من عشر محافظات عراقية يوم 15/ 8/ 2011، عاكسة بذلك هشاشة "البناء" المزعوم للأجهزة الأمنية التي تتفاخر بها حكومة المنطقة الخضراء، وفي ذات الوقت تفتح الباب على مصراعيه للعديد من الاحتمالات حول الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات المنظمة التي وقعت في محافظات ( ديالى، واسط، النجف، كربلاء، بغداد، صلاح الدين، الأنبار، التأميم، نينوى، وبابل) وخلفت أكثر من (71) قتيلاً في حصيلة أولية، وأصيب أكثر من (300) آخرين.
الحكومة وقوات الاحتلال -كعادتها- حمّلت "المجاميع المسلحة" مسؤولية هذه التفجيرات، وهي تقصد بذلك المقاومة العراقية، في وقت تحدث فيه وزير ما يسمى "المصالحة الوطنية" عن انضمام غالبية فصائل المقاومة العراقية لبرامج المصالحة التي أعلنتها الحكومة، وهذا الأمر فيه تناقض كبير، حيث إن المقاومة العراقية الحقيقية نأت بنفسها عن الاقتراب من سور المنطقة الخضراء؛ لأنهم يرون أن هذه الحكومات، هي حكومات منفذة لأجندات الاحتلال، وبالتالي لا يمكن التصالح والتفاهم معها، وأيضاً فان المقاومة أعلنت مراراً براءتها من الدم العراقي، وتعتبره من الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها، وفي ذات الوقت تدعي الحكومة أن المجاميع المسلحة قد ألقت سلاحها!!!
وهنالك من يقول إن قوات الاحتلال الأمريكية هي المسؤولة عن هذه التفجيرات؛ لأجل إقناع الرأي الشعبي، وليس الرأي الرسمي، بضرورة بقاء هذه القوات بعد نهاية عام 2011، الموعد الرسمي لخروج قوات الاحتلال حسب الاتفاق الأمني، وهذا الاحتمال وارد، بل ومنطقي جدا، وهذا ديدن الاحتلال منذ أن وطأت أقدامه ارض العراق.
وفي اليوم التالي للتفجيرات أعلنت سفارة الاحتلال عن استعداد الجانب الأمريكي للبقاء في بلاد الرافدين إذا طلبت الحكومة ذلك بسبب هشاشة الأوضاع الأمنية!!!
وهذا الاحتمال هو أقوى الاحتمالات، ومصدر قوته أن واقع الحال اثبت نية قوات الاحتلال البقاء في العراق بعد عام 2011، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي (ليون بانيتا) الجمعة الماضي أن "العراق وافق على بقاء القوات الأمريكية في البلاد إلى ما بعد 2011"!!!
أما الاحتمال الثالث فإن هذه التفجيرات هي تصفيات سياسية بين رجال العملية السياسية، وهذا الاحتمال وارد لكن اضعف من الاحتمال الثاني، حيث أرى أن قوات الاحتلال هي التي تقف وراء هذه التفجيرات، بل هي المحرك الحقيقي للسياسة في العراق، والاحتمال الثالث أشار إليه رئيس جمهورية العراق الحالي جلال طالباني حينما دعا القوى السياسية -في كلمة وجهها بعد التفجيرات- إلى التعالي على الخلافات والحزازات والمناكفة والشروع فوراً في إيجاد القواسم المشتركة، فيما ألقى مجلس محافظة نينوى، باللائمة على جهات لم يسمها، معتبراً أن التفجيرات تزامنت مع الإعلان عن نقل الملف الأمني من وزارة الدفاع إلى الداخلية، وتلويح لجنة الأمن النيابية بإقالة عدد من قادة الشرطة في المحافظات التي تشهد خروقا أمنية.
وفي محاولة يائسة لدفع المسؤولية الشخصية عن الفلتان الأمني في البلاد، اصدر رئيس الوزراء نوري المالكي، في اليوم التالي للتفجيرات أمراً بتكليف (سعدون الدليمي) وزير الثقافة في حكومته الحالية، كوزير للدفاع بالوكالة!!!
وبغض النظر عن الجهة التي تقف وراء هذه التفجيرات فإن الخاسر الأول والأخير هو المواطن العراقي المبتلى باحتلال حاقد، وحفنة من العملاء الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا تبعاً، بل خدماً وعملاء للمحتل ضد أبناء جلدتهم.
نهر الدم العراقي المسفوح سيستمر بالجريان طالما هنالك مجموعة من المنتفعين في البلاد لا يهمهم هذا الثمن الباهظ من الدم الغالي، وهم منشغلون بخلافات لا يمكن أن تأتي بخير للعراق، وبالمقابل فان هذه المهزلة لا يمكن أن تستمر لأنها حالة شاذة، والوضع الشاذ علاجه الاستئصال والبتر، وإلا فان هذه المجازر لا يمكن أن تنتهي، والضريبة مدفوعة مسبقاً من دماء الأبرياء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى