الدولة السرية!





أقصد بالدولة السرية هي تلك المنظومة الخفية التي تُدير الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية في دولة ما دون أن تكون ظاهرة - في الغالب- على مسرح الأحداث.
والدولة السرية يمكن معاينتها اليوم بشكل جلي في المشهد العراقي، ولهذا نرى أن هنالك أطرافاً داخلية وخارجية ماسكة بزمام الأمور، وقادرة على فعل ما تشاء في أي وقت وفي أي مكان تريد، على الرغم من وجود " دولة ظاهرة" تقودها حكومة حيدر العبادي.
الدولة السرية في العراق هي المتحكمة بغالبية المفاصل الحيوية في البلاد وبالذات الأمنية والاقتصادية منها، بدليل أن الحكومة عجزت عن معرفة مصير الصيادين القطريين لأكثر من عام. وبحسب وزارة الداخلية العراقية " فقد اختطف مسلحون في ١٦ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٥ نحو عشرين صياداً قطرياً مع مساعديهم الآسيويين الذين جاءوا لصيد الصقور قرب معسكر صحراوي على الحدود السعودية في محافظة المثنى ٣٧٠ كم جنوب شرق بغداد". وفي نيسان ٢٠١٦ أفادت الخارجية القطرية أنه" تم الإفراج عن أحد المختطفين مع مساعده ولم تذكر شيئاً عن بقية الرهائن". وفي يوم الجمعة الماضي تم بحمد الله الإفراج عن كافة المختطفين مقابل فدية مالية "ضخمة" وغير معلنة حتى الساعة وبوساطة حكومة حيدر العبادي.
هذه القضية الشائكة انتهت وقد كان للإفراج عن المختطفين القطريين وقعاً طيباً في نفوس العراقيين لأنهم شعروا – قبلها- أنهم جميعاً متهمون بالقضية، وهم على يقين أن المليشيات المسيطرة على مجمل الأوضاع هي منْ نفذت هذه الجريمة.
رئيس الوزراء حيدر العبادي قال قبل عدة أيام إن "المواطنين القطريين دخلوا العراق بتأشيرات دخول رسمية، والحكومة تبذل جهوداً لإطلاق سراحهم".
وفي الملف ثمّن وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي" جهود حيدر العبادي، في إدارة ملف إطلاق سراح الصيادين القطريين".
ورغم انتهاء ملف الصيادين القطريين إلا أن آلية تعاطي الحكومة مع القضية ودخولها كطرف مفاوض مع العصابة الخاطفة، وعجزها – في ذات الوقت- عن معرفة مصير آلاف المختطفين العراقيين على يد المليشيات فتح النيران المباشرة عليها. وقبل يومين قال النائب خالد العلواني "نحن مع إطلاق سراح المختطفين القطريين، لكن لا بد من أن تكون للحكومة وقفة تجاه مختطفي محافظة الأنبار والموصل وغيرها، والذين غيّبوا بطريقة وأخرى، وهنالك أكثر من 1200 مختطف من الرزازة، وأكثر من 700 آخرين في الصقلاوية، لم يعرف مصيرهم، وعلى الحكومة أن تتحرّك إزاء هذا الملف الخطير".
فيما طالب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الكربولي "الحكومة بالتدخل لإطلاق سراح 2900 مختطف عراقي"، مرجحاً "وجودهم لدى الجهة التي اختطفت الصيادين القطريين".
أظن- وبغض النظر عن مجمل الكوارث السابقة التي وقعت،وتقع، في العراق- بأن حادثة إطلاق سراح القطريين - ووفقاً لمفهوم سياسيي المنطقة الخضراء- يمكن أن تجعل العبادي أمام خيارين صعبين وهما:
1. الاستقالة لأنه خضع لإرادة المليشيات المختطفة على الرغم من زعمه محاربتها، ولأنه دخل في مفاوضات مباشرة معها من أجل تخليص ضيوف العراق من قبضة إرهاب الدولة السرية، وهذا دليل على عجز حكومته في السيطرة على الشارع العراقي.
2. تقديم زعماء العصابة المختطِفة والتي تفاوض معها للمحاكمة – وهذا يعني أنه يعرف منْ هم- حتى لا يُتهم أنه متواطئ معها، أو متستر على جرائمهم على الأقل في هذه الحادثة، وأظن أنه عاجز عن ذلك.
حكومة العبادي اليوم في موقف هش، لأنها لم تحسن التعامل مع هذا الملف، وهذه حلقة جديدة من حلقات الخلل الكبير في إدارة الدولة العراقية الظاهرة.
أعتقد أن الدولة السرية أثبتت قدرتها على التحكم بالدولة الظاهرة، وهذا الأمر يؤكد هشاشة الحكم وتغول المليشيات في مرحلة تكرر الحكومة فيها باستمرار على سيادة القانون.
فأين القانون والبرلمان مما جرى في هذه الصفقة الضاربة لمفهوم الدولة في كل الأحوال؟!
حالة الانصهار بين الدولة والمليشيات لا يمكن أن تقود لبناء دولة سليمة. فإلى أين نحن سائرون؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى