جدلية التناحر الأمريكي الإيراني!



كشف الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، يوم الأحد الماضي أنّه يريد إبقاء القوّات الأمريكيّة في العراق لمراقبة إيران؛ لأنّها " مشكلة حقيقيّة، لدينّا قاعدة عسكريّة رائعة في العراق، ومناسبة جدّاً لمراقبة الوضع في جميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط المضطربة، وهذا أفضل من الانسحاب"!
وجدلاً سنتّفق مع الرئيس ترامب بأنّه يريد مراقبة إيران؛ لكن لماذا لا يراقبونها عبر الأقمار الصناعيّة كما فعلوا مع العراق منذ العام 1990 وحتّى مرحلة الاحتلال، أم أنّ العقوبات على إيران مجرّد تمثيليّة هزيلة؟
وبعد 24 ساعة من تصريحات ترامب قال الرئيس العراقيّ برهم صالح، إنّ الرئيس ترامب، لم يطلب موافقة بغداد لإبقاء قوّات بلاده في العراق لمراقبة إيران، وإنّ القوّات الأمريكيّة المتواجدة في بلاده لا يحق لها مراقبة إيران، وهي قوّات موجودة بموجب اتّفاق بين البلدين، ومهمّتها مكافحة الإرهاب، والحكومة طلبت إيضاحات بشأن أعداد القوّات الأمريكيّة في العراق ومهمّتها!
تصريح صالح لا يتّفق مع الاتفاقيّة الأمنيّة التي رهنت الساحة العراقيّة للقوّات الأمريكيّة، التي يمكنها أن تتدخّل في الميدان في أيّ وقت تراه مناسباً!
وكلام الرئيس العراقيّ بأنّ القوات الأمريكيّة مهمّتها مكافحة الإرهاب، ربما يُثير جدليّة كبيرة:
أليس التواجد الإيرانيّ في العراق صورة من صور الإرهاب، أم أنّ هذا إرهاب مَسْكُوت عنه؟
التصريحات الأمريكيّة فتحت شهيّة بعض البرلمانيّين العراقيّين للإدلاء بتصريحات ناريّة لاستصدار قانون إخراج القوّات الأمريكيّة من العراق، وهو ما دفع السفير الأمريكيّ ببغداد دوغلاس سيليمان – بحسب ما أخبرني أحد النوّاب- لإرسال رسائل نصّيّة عبر الهواتف المحمولة لكافّة أعضاء البرلمان قال فيها " إذا خرجنا لن نعود حتّى لو طلبتم منا العودة لقتال داعش، أو غيره"!
فكيف يمكن تفهم هذا الخطاب الأمريكيّ مع المؤسسة التشريعيّة في العراق؟
ثم لماذا لم يتطرّق أعضاء البرلمان للكلام الخطير الذي ذكره وزير الخارجيّة الإيرانيّة، والذي قال نهاية الشهر الماضي من النجف، مخاطباً أمريكا:" إنّهم يمضون (الأميركيون) ونحن نبقى لأنّنا أهل الأرض"؟
هل يمكن للقيادة في العراق أن تفسّر معنى هذا الخطاب الإيرانيّ التوسعيّ الخطير، والذي قابلته بغداد بصمت مطبق؛ وكأنّ مسؤولاً عراقيّاً كان يتحدّث عن العراق، وليس مسؤولاً أجنبيّاً يريد أن يحتلّ الوطن بعباءة الدين والمذهب وكراهية الشيطان الأكبر؟
هذه التصريحات والتهديدات والتنديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران على الأرض العراقيّة جاءت في ذات الوقت الذي كشف فيه عبد الستار الراوي، سفير العراق السابق لدى إيران عن " تفاصيل الاتصالات السرّيّة بين الإيرانيّين والأمريكيّين لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين"!
فأين هو العداء الإيرانيّ الأمريكيّ على الأرض؟
أمريكا حينما أرادت أن تُنهي الدولة العراقيّة فعلت!
وإسرائيل ضربت (مفاعل تموز النوويّ العراقيّ) عام 1981 بضوء أخضر أمريكيّ!
والتنسيق الأمريكيّ - الإيرانيّ في احتلال العراق أكّده أكثر من مسؤول إيرانيّ، وفي تصريحات موثّقة، وزيارة الرئيس أحمدي نجاد لبغداد في مرحلة الاحتلال الأمريكيّ ثابتة، وغير ذلك المئات من صور التعاون والتخادم المؤكِّدة للتعاون الإستراتيجيّ بين البلدين، ثمّ يأتي من يقول إنّ أمريكا ستضرب إيران!
أمريكا كانت – وستبقى- تتعكّز على شمّاعة التهديدات الإيرانيّة لدول المنطقة، ولهذا منْ يُريدنا أن نصدّقه عليه أن يُرينا فعلاً عسكريّاً إيرانيّاً حقيقيّاً – على الأقلّ- ضدّ القوى الداعمة لإيران في العراق، وليس في الداخل الإيرانيّ؛ لأنّ فرضيّة توجيه ضربة لإيران في الداخل مستبعدة جدّاً، ولو أرادت واشنطن ذلك لفعلت كما فعلت مع العراق، ودمّرته، وما زالت تتحكّم بكلّ مقدّراته!
العراق يفتقر لقيادة قويّة ترفض هذا التناحر الأمريكيّ الإيرانيّ على ارض الرافدين!
واليوم هنالك مسؤوليّة كبيرة على عاتق مجلس النوّاب في ضرورة إلغاء الاتّفاقيّة الأمنيّة التي وقّعتها حكومة نوري المالكي، وإنهاء كلّ صور التدخّل الأجنبيّ، وهذه من أهمّ عوامل الحفاظ على السيادة الوطنيّة المفقودة!
فهل سيفعلها ممثّلو الشعب، ويطالبون صراحة - وبصوت واحد قويّ- بخروج القوّات الأجنبيّة بكافّة جنسيّاتها من العراق، أم ستستمر حالة الصمت القاتل على مقاعد البرلمان الجامدة؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!