مذكرات المجرمين!




من المؤلم أن تكون الشعوب ضحية للسياسات، وأن يُسحق آلاف الأبرياء بحجج هزيلة لا تقوى على الصمود أمام الواقع المليء بالحقائق المخالفة لتلك الادعاءات. 
تعلمنا في عالم السياسة أن الأقوال أكثر من الأفعال، وأن الادعاءات كثيرة- وأحياناً بعيدة المنال- وتطبيقها على ارض الواقع نادر جداً، وكأن غالبية قوانين عالم السياسة تُشجع على التملص من الالتزامات والإبقاء عليها في إطار الإعلام فقط.
الشعب العراقي وقع ضحية للكثير من الدعايات السياسية، ومنها الخطاب الكبير الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بتاريخ 19 آذار (مارس) 2003، عن انطلاق "الحرب على العراق"، حيث قال مخاطباً جنوده: "إلى جميع الرجال والنساء في القوات المسلحة الأميركية المنتشرين الآن في الشرق الأوسط، أقول: إن سلام العالم المضطرب، وآمال شعب مقموع تعتمد الآن عليكم. وهذه الثقة هي في محلها تماماً. وسيدرك الأعداء الذين تواجهون عمق خبرتكم وشجاعتكم في الحال. وسيشاهد الناس الذين ستحررون روح الشرف والطيبة التي تتسم بها القوات المسلحة الأميركية. وفي هذا النزاع تواجه أميركا عدواً لا يحترم أعراف الحرب، أو القواعد الأخلاقية".
وحينما نقارن هذه العبارات "المُنمقة" مع ما وقع للعراق على يد القوات الأميركية "المُحرِّرة" نجد أن العراقيين وقعوا ضحية لماكينة إعلامية كبيرة تنحرهم، ثم تتهمهم بالإرهاب، وتدّعي أنها تمتلك "روح الشرف والطيبة"!
العراقيون صاروا فريسة لدبابات الديمقراطية التي قلبت حياتهم في ليلة سوداء، وصار جنود الاحتلال يلعبون، أو يتباهون بسحق الأبرياء، وكأننا أمام قوات جاءت لتنتقم وتدمر وتسحق الإنسان والدولة، وكأنهم يلعبون لعبة الكترونية.
كلامنا اليوم ليس عن لعبة "عاصفة الصحراء"، أو  لعبة "ميدان القتال"، وإنما نتحدث عن جرائم حقيقية، وليس مجرد لعبة "أكشن" يتم تحمليها على أجهزة الكومبيوتر، أو في البلي ستيشن (PLAY STATION).
اللعبة، أو الجرائم المذهلة تدور أحداثها في العراق بين عامي 2005 - 2010، حيث اعترف الرقيب في الجيش الأميركي ديلارد جونسون – قبل أسبوعين- "بقتله أكثر من (2746) عراقياً خلال خمس سنوات قضاها أثناء خدمته في العراق".
والمؤلم أن هذا القاتل يتباهى بإجرامه "وألف كتاباً أسماه "كارنيفور"، ذكر فيه:" أنه ومنذ قدومه للعراق لم يكن يمر أي يوم دون أن يقوم بقتل عراقي، أو اثنين، وأن أول عمليه قتل له، كانت عندما أقدم على قتل (13) عراقياً في حافلة للركاب عن طريق دهسهم بمدرعته بالقرب من مدينة السماوة جنوب العراق"!
وحينما سألته مذيعة قناة "فوكس نيوز" الأميركية، عن شعوره بعد قتله لهذا العدد الهائل من العراقيين؟، أجاب: " شعوري بعد قتل العراقيين أفضل من شعوري بعد قتل الغزلان عندما كان عمري 13 سنة، وكنت صائداً قبل انضمامي للجيش".
فهل هنالك جرأة وقساوة أكبر من هذه!
وكالعادة في مثل هذه المواقف ذُكر بأن جونسون (48 عاما)، يعاني حالياً من أمراض نفسية، لإسكات الذين – ربما- يُطالبون بمحاكمته!
ومع كل هذا الإجرام و"الأمراض النفسية" نجد أن جونسون يُجري مقابلات تلفزيونية، ويتباهى بإجرامه، وما يزال طليقاً، والأدهى أنه سبق لقيادة الجيش الأميركي أن منحته (37) ميدالية "كبطل حرب"!
مقابل هذا الوحشية المليئة بروح الانتقام والاستخفاف بالإنسان والحرية، نجد أن القضاء الأميركي حكم بقسوة في قضايا تتعلق بقتل، أو ترهيب حيوانات أليفة، وسبق لمحكمة ولاية فلوريدا أن "قضت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، على ايفينز روزير، بالسجن (23) عاماً بسبب قتل كلب خلال اقتحامه أحد المنازل".
الغريب أن القضاء الأميركي لم يسع لاستصدار مثل هذه الأحكام مع جرائم قتل المدنيين العراقيين، رغم اعترافات المجرمين، وهذا مؤشر خطر يؤكد انعدام روح العدالة، وغياب الوعي الإنساني، ولا اعتقد أن هذا "التناقض القضائي" يليق بالأمة الأميركية بغض النظر عن المبررات التي يمكن أن تقولها الحكومة، أو القضاء لأن الإنسان قيمة عليا وليس من المنطق، أو الحكمة، أو العدل أن تُسحق قيمته تحت أي ذريعة!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!