العيد وقضايا أخرى!



العيد يوم التسامح، يوم اللقاء والمحبة، والتسامي على الجراح، ومحاولة - في بعض البلدان- لتناسي نكد الدنيا وهمومها، ولو لأيام أو لساعات معدودات، وهو يوم السلام والأمن وفرحة الأطفال بالثياب الزاهية وبالعيدية (عطايا الأهل).
العيد في بعض دول منطقتنا لم يعد كما كان يوماً فيه معاني البهجة والسرور والمرح، بل صار يوماً للألم والبكاء والذكريات الجارحة، وبات مناسبة لتذكر ملايين اليتامى والأرامل والمهجرين الذين – ربما- لا يملكون قوت يومهم، أو سقفاً يحفظ كرامتهم بعد أن سحقتهم آلات الحروب القاسية وأفقدتهم - في لحظات- طعم الحياة بكل أيامها سواء في الأعياد أم غيرها.
العيد في العراق صار بالنسبة لغالبية الناس – وهنا أتحدث عن الأماكن الآمنة- مجرد احتفال تقليدي بأيام مباركات، أما في المناطق النازِفة فالعيد بالنسبة لسكانها يوم للحسرة المضاعفة، والشعور بالضياع في داخل الوطن، وهو كبقية أيامهم مليء بالقتل والدمار والقصف العشوائي، كما هو الحال في ما تبقى من أحياء مدينة الموصل التي تشهد قتالاً لا تمييز فيه بين المدنيين والإرهابيين.
تقع اليوم على عاتق الدولة والمجتمع مسؤولية كبرى في ضرورة إدخال السعادة والبهجة في نفوس اليتامى والأرامل لأنها من أهم معاني العيد، ومن متطلبات الحفاظ على إنسانيتهم التي خُدشت نتيجة العوز والفاقة والفقر وضياع المُعيل.
المسؤولية الإنسانية التاريخية تدفعنا جميعاً للوقوف مع هذه الشرائح المُتعفِّفة والمغدورة، والمُهمَّشة، التي كانت بالأمس القريب تعيش ضمن أسر آمنة مطمئنة، وفي لحظة من لحظات غياب الضمير، أو موت الإنسانية وجدت هذه العوائل نفسها بلا معيل، أو بلا سقف، أو ربما لم يبق منها أي أثر، وسحقت سحقاً كاملاً كما حصل – ويحصل- في الموصل وغيرها من مدن القتال المتواصل في بعض البلدات العراقية.
العيد في العالم هو يوم التزاور بين الأحباب وقد حُرم من هذه النعمة ملايين العراقيين من المهجرين في الداخل والخارج، وكأن قدرهم أن يكون احتفالهم بالعيد غصة وجرحاً عميقاً في قلوبهم وأرواحهم.
منذ أكثر من (30) عيداً ونحن بعيدون عن العراق. ثلاثون عيداً ونحن لم نلتق بأهلنا، ولم نز بلادنا، ولم نشرب من دجلة والفرات، ولم تتكحّل عيوننا برؤية الوطن الحبيب، والذنب الأبرز لغالبية المهجرين أنهم يحبون العراق بطريقة حضارية،  ويتمنون أن تكون بلادهم حديقة مليئة بشتى أنواع الورود الممثِّلة لأطياف الشعب العراقي، ورغم هذا الحب المميز فهم يدفعون اليوم ضريبة مرتفعة بتهجيرهم وحرمانهم من وطنهم!
العيد، بالنسبة للمغتربين هو يوم تهييج الذكريات، وهو من أكثر المناسبات التي تتناحر فيها الأجساد مع الأرواح من هَول الأشواق التي تفطر القلوب وتدمي المُقل.
في العيد نتذكر أولئك الأخيار من الوطنيين الذين ماتوا ولم يروا العراق، أو لم تتحقق أمانِيّهم في رؤية بلادهم ثانية، ودفنوا في مقابر الشتات.
إن استذكار أولئك الرجال والنساء من أصدقائنا وأحبابنا الذين غادروا هذه الدنيا ولم يفرحوا بتحقيق أمنياتهم العامة بعراق موحد، وآمن، وخال من الطائفية ومن أصحاب الدكاكين السياسية، وطارد للخونة والعملاء، هو جزء من الوفاء لأنهم قتلوا من لوعة الحنين للوطن.
بهجة العيد لا تكتمل مع استمرار الجرح النازف لملايين العراقيين في الداخل والخارج من المهجرين والنازحين واللاجئين، لأن مدنهم لم تذق طعم الهدوء والاستقرار السياسي والأمني والخدمي منذ سنوات عدة، وهذه كلها عوامل طاردة للاستقرار وللسلم المجتمعي.
العيد الحقيقي للعراقيين يوم أن تكون لهم دولة تضعهم تحت خيمتها، وقادرة على أن تقدم لهم الأمن والخدمات والتأمين الصحي والتعليم المجاني والحياة الحرة الكريمة، وترعى الأرامل والأيتام لأن حمايتهم مسؤولية تكافلية مجتمعية لا يمكن التهاون بها.
العيد الذي نتمناه للعراقيين هو العيد المليء بالأمن والأمان والسلام، وهو العيد الذي يجتمع فيه شملهم بأهلهم من أراضي الشتات ومن معسكرات النزوح، وكذلك خلاص المعتقلين الأبرياء من محنتهم التي طالت بشكل غير منطقي ولا يمكن قبول استمرارها خلافاً لكل القوانين والأعراف والدساتير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!