المنهج الإرهابي!


هنالك قضايا في الملف العراقي شائكة ومحيرة، وتناولها يجعلك تسير على حبل رفيع لأنك في أي لحظة ستكون في خانة العملاء للوطن، أو المتعاطفين مع الإرهاب، ومنها مسألة التركيز على الكوارث التي لحقت بالمناطق التي سيطر عليها مقاتلوا "داعش"، وجعلوا أهلها بين مطرقتهم من جهة وسندان المليشيات والقوات الحكومية والدولية من جهة أخرى.
الكاتب والصحفي والإعلامي الذي لا ينقل الحقيقية خائن لمبادئه، وقيمه، لأن نقل الحقيقة هي الأصل في العمل الصحفي والإعلامي، ولا يمكن تصور بناء الأمم والأوطان عبر بوابات التملق والتزلف وخداع الجماهير، لأن توصيف الحالة الايجابية، أو السلبية بدون رتوش هو جزء من الإنصاف ونصف العلاج.
لنتفق بداية على أننا جميعاً ضد الإرهاب، المتمثل بقتل المدنيين العزل وتهجيرهم وتخويفهم وسرقة أموالهم، وكل من يقوم بهذا الفعل فهو إرهابي لا يمكن التعاطف معه، أو الوقوف معه.
ما حصل في الموصل والرمادي والفلوجة وديالى وصلاح الدين ومناطق حزام بغداد من قتل وتهجير وتدمير وتخويف بحجة مقاتلة "داعش" لا يختلف كثيراً عن إرهاب أي منظمة إرهابية في العالم، وهذا يؤكد أن المنهج الإرهابي متشابه، وهذا الإرهاب لا يمكن أن يقود لبناء الدولة.
الدولة التي تحترم مواطنيها وتحافظ على حياتهم لا تقبل بإرهابهم بحجة أنها تكافح الإرهاب.
وفي هذا الملف سننقل شهادات محايدة تؤكد حجم كارثة العراق، وليطلع العالم على كم المآسي والحروب الانتقامية الجارية بحجة مقاتلة "داعش" والقضاء على إرهابه، ونترك الحكم بعدها للتاريخ ولمحبي السلام والكارهين للإرهاب.
اليوم تنضم الأمم المتحدة للأطراف المؤيدة لحجم الكارثة في الموصل، حيث أكدت المنظمة الدولية (يوم 6/ تموز، 2017) بأن" نسبة الدمار التي حلت بالمدينة فاقت كل التوقعات، وأن التوقعات كانت بأن تصل تكلفة إعادة أعمار مدينة الموصل إلى 500 مليون دولار، لكن بعد مشاهد الدمار تلك فإن تكلفة إعادة الإعمار ستكلف مبلغ أعلى بكثير، وإن نسبة الدمار التي لحقت بالموصل وبحسب مصادر عراقية، بلغت نحو 70%، وإن ستة من أحياء غرب الموصل قد دمرت بالكامل، كما أن أكثر من 11 ألف منزل تم هدمها".
نسب الخسائر البشرية والدمار في الموصل بلغت - وفقاً لحكومتها المحلية- لأرقام مذهلة " وقد قتل – وفقاً لمصادر عراقية وألمانية- أكثر من 16 ألف مدني، وجرح أكثر من 30 ألف آخرين، ويمثل الرجال والنساء 61% من الضحايا، وتجاوزت خسائر المدينة 41 مليار دولار. شملت تدمير 9 مستشفيات من أصل 10، و 76 مركزاً صحياً من أصل 98، وتدمير 6 جسور على نهر دجلة، وتدمير 308 مدرسة، وتدمير 12 معهداً طبياً وتقنياً وفنياً، وتدمير جامعة الموصل وكلياتها، وتدمير 10 آلاف و700 منزلاً حتى الآن، وتدمير 4 محطات للكهرباء،  وتدمير 6 محطات للمياه، وتدمير معمل أدوية نينوى، وغير ذلك من الدوائر الخدمية في المدينة".
تخيلوا الأرقام المذكورة آنفاً " نسبة الدمار بلغت نحو 70%، وتدمير ستة أحياء غرب الموصل بالكامل، وأكثر من 11 ألف منزل تم هدمها، ومقتل أكثر من 16 ألف مدني، وجرح أكثر من 30 ألف آخرين، وغير ذلك"! فهل يُعقل أن هذه القوات جاءت لتحرير الموصل، أم لتدميرها، والانتقام من أهلها؟!
أين "تحرير" الموصل مع هذا التدمير، وهل سيسلمونها لأهلها حجراً على حجر، ويقولوا لهم تفضلوا: حررنا لكم مدينتكم!
بأي منطق يكون هذا التدمير تحريراً، وكيف يمكن لأهالي الموصل والأنبار وغيرهما أن يقبلوا بهذا "التحرير التدميري" وهم يرون بيوتهم ومناطقهم وأملاكهم محطمة ومسروقة، وهم بين قتيل ومهجر ومعتقل؟!
القضاء على الإرهاب لا يكون بتدمير المدن على رؤوس ساكنيها وإنما بتجفيف منابع تغذية الإرهاب، وأوضح تلك المنابع استمرار الظلم والتهميش وانتشار المليشيات وقتل الأبرياء وغياب القانون، وكل هذه العوامل الآكلة للوحدة الوطنية يجب علاجها، ثم بعد ذلك نتحدث عن الإرهاب ومكافحته!

المنهج الإرهابي يُحارب بالعدل والإنصاف لضمان الحاضنة الشعبية، ولا يحارب بالتدمير والتهميش والقتل على الهوية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!