ترامب وذكرى الاحتلال!




في مثل هذه الأيام قبل أكثر من 14 عاماً، وبعد ساعة ونصف الساعة من انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي حددها الرئيس جورج بوش الابن للرئيس العراقي صدام حسين للتنحي عن السلطة وترك البلاد أطلقت الولايات المتحدة الأميركية العنان لبداية مرحلة مظلمة من تاريخ العراق بحجة تخليصه من الدكتاتورية ونشر الديمقراطية.
بعد هذه السنوات المريرة حدثت متغيرات كبيرة على المستويين الأميركي والعراقي، فصناديق الاقتراع الأميركية جاءت برئيس اعترف بأن إزالة نظام الحكم في العراق من الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها الولايات المتحدة، وأن على العراق دفع مستحقات الحرب التي خاضتها بلاده.
وفي منتصف كانون الثاني (يناير) وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء مقابلة مع صحيفتي التايمز البريطانية وبيلد الألمانية قرار غزو العراق عام 2003 بأنه "قد يكون أسوأ قرار اتخذ في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق"، وأن "كل ذلك ما كان يجب أن يحدث".
أما بلاد الرافدين اليوم فانها تعيش اليوم في حيص بيص، فربعها صار من حصة الإقليم الكردي، وربعها الثاني بيد "داعش" ما بين الموصل وكركوك والأنبار وصلاح الدين، والنصف الآخر ربعه مدمر والربع الأخير غالبية سكانه يأنون من هول البطالة والفقر والعوز، والنسبة القليلة من "السعداء" بالوضع العراقي الحالي.
التحديات الخارجية في سياسة ترامب كثيرة ومتنوعة ولعل العراق الذي أدخلته الولايات المتحدة منذ احتلالها له عام 2003 في موجة من العنف المتنوع يُعد من أبرزها.
إن أسباب العنف المستمر في العراق اليوم خارجية وداخلية، وإدارة ترامب ترى أن الدولة العراقية اليوم تابعة لإيران، وفي بداية شباط (فبراير) الماضي قال الرئيس ترامب إن" إيران تستحوذ على المزيد من العراق بعد إهدار أميركا 3 تريليون دولار". وأكد ترامب عبر حسابه بموقع "تويتر": "تبتلع إيران المزيد من العراق".
في ظل هذه التراكمات السياسية والأمنية توجه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الأحد الماضي لواشنطن للقاء الرئيس الأميركي ليكون بذلك ثالث مسؤول عربي في ضيافة الإدارة الجديدة، بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في السعودية.
زيارة العبادي الحالية لواشنطن يسعى الرئيس ترامب - من خلالها- لمعرفة اتجاه بوصلة حكومة بغداد هل هي مع الاتجاه الإيراني أم الأميركي والإقليمي؟ لأن أميركا ساعية – وبجدية- لتنفيذ استراتيجية سحب العراق من الحضن الإيراني، وهي استراتيجية يتم تنفيذها بتحالف أميركي سعودي تركي. 
العبادي من جانبه سيحاول خلال الزيارة استغلال قضية محاربة الإرهاب لدعم العملية السياسية، والسعي لتفعيل اتفاق الإطار الاستراتيجي الموقع بين العراق والولايات المتحدة العام 2008، وسيتطرق لعراق ما بعد الموصل وقضايا الإرهاب والنزوح وغيرها من الملفات الشائكة، وربما سيُطلع العبادي الأميركيين على موقف بغداد من اللقاء التشاوري الذي عقدته قيادات سياسية "سنية" قبل عشرة أيام تقريباً في أنقرة، برعاية مباشرة من تركيا والسعودية ودعم أميركي.
هذه التطورات في العلاقات العراقية - الأميركية ربما تؤكد أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تكون فيها قضية إعادة العراق للحضن العربي المحور الأبرز، وبالمحصلة أتوقع أن حكومة بغداد ستبقى تحت "الرعاية" الأميركية والأوروبية لحين استتباب الأمن في بلاد الرافدين، ووضوح موقف حكومة بغداد من إيران وبعد ذلك ربما ستسعى الولايات المتحدة لإحداث تغييرات شكلية أو جوهرية تبعاً لتطورات المواقف في مجمل العملية السياسية العراقية بما يضمن أولاً وآخراً مصالحها في العراق والمنطقة.
المعضلة في العراق سياسية قبل أن تكون أمنية، ولهذا ينبغي على الولايات المتحدة مساعدة العراقيين في إيجاد أرضية صالحة لعملية سياسية تمثلهم جميعاً، وتنظر لهم بمنظار المواطنة للوصول إلى مرحلة السلام والاعمار.
العراقيون وبعد هذه السنوات العجاف تأكدوا أن الولايات المتحدة لم تكن تستهدف الرئيس العراقي، وإنما كان الهدف الأكبر هو العراق الذي يسير في كل يوم من نفق مظلم إلى نفق أشد ظلاماً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى