بناء وطن جديد!

الأموال المهدورة في العراق بعد مرحلة العام 2003 خيالية، ولا يمكن للعقل البشري أن يصدق أن هذه الثروات الطائلة قد نُهبت وأُهدرت وضُيّعت وصارت في خبر كان.
وفي نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي قالت منظمة الشفافية الدولية إن "6 من أكثر 10 دول فساداً في العالم عربية؛ وهي: سوريا والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا".
ومؤامرة نهب ثروات العراق وهدرها نبه عليها العديد من الشخصيات الوطنية داخل العراق وخارجه، إلا انه في الغالب تذهب أقوالهم أدراج الرياح، وربما وجهت لهم تهم المبالغة والافتراء على الحكومة كما يحاول أنصار الحكومة والإعلام الرسمي تصوير ذلك.
حقيقة هدر الأموال العراقية لا يمكن نكرانها حينما تكون من شخصية اقتصادية ومن داخل المطبخ أو الملعب العراقي، وبالتحديد من داخل المنظومة الاقتصادية الأولى في العراق، وهو الخبير الاقتصادي الدكتور سنان الشبيبي محافظ البنك المركزي العراقي السابق.
الشبيبي أكد نهاية شباط/ فبراير الماضي أن" رئيس الوزراء السابق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي تسلم أموالًا أكثر من كل حكام جمهورية العراق مجتمعين من الزعيم عبد الكريم قاسم إلى صدام حسين وأهدرها، وأن الأموال التي تسلمها المالكي كانت تكفي لبناء وطن جديد يتسع لـ 30 مليون نسمة".
وبين الشبيبي أن "المالكي عين علي العلاق محافظاً للبنك المركزي لينهب كل احتياط الدولة العراقية ومقداره (67) مليار دولار في آخر أيام هيمنته على الحكومة ليسلم السلطة إلى حيدر العبادي وميزانية العراق خاوية، واحتياط البنك المركزي منهوب، ليدخل العراق في أزمة مالية كبيرة لا يستطيع النهوض منها بعد عقد من الزمن حتى لو تحسنت أسعار النفط اليوم".
وفي نهاية تموز/يوليو الماضي قال عادل نوري عضو لجنة النزاهة النيابية العراقية إن "نحو 1000 مليار دولار هُدرت بسبب الفساد في العراق بعد عام 2003 ولغاية الآن، كما أن هناك أكثر من 600 مليار دولار ليس لها وصولات ومبالغ أخرى شابتها عقود فساد وهمية ومشاريع متلكئة فيها خروقات ومخالفات، وأن الفساد استشرى في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وأن المفسدين يعملون ليلاً ونهاراً لتهريب العملة، فضلاً عن الشركات الوهمية والعقود ولا أحد يستطيع حصر الفساد فهو موجود في كل زمان ومكان وله استمرارية".
وفي ضوء ما تقدم نتساءل كيف يمكن تغييب هذه المليارات، وأين ذهبت، وكيف هرِّبت لخارج العراق، ومنْ هَرَّبها؟
مليارات منهوبة بأرقام مذهلة، وفساد طال جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتراف لجنة النزاهة النيابية! وفي ذات الوقت هنالك استمرار للخراب، والادعاء بمحاربة الفساد والرشوة والمحسوبية، فكيف يُعقل هذا الكلام؟!
هم يتحدثون – وليس نحن- عن مبالغ مسروقة تعادل ميزانيات دول عدة مجتمعة في المنطقة ولعشرات السنوات، كيف يحصل هذا، وأين الحكومة، التي تدعي أنها تحارب الفساد، وأين أجهزة الرقابة المالية، وأين القضاء، وأين البرلمان، وأين وأين؟ أسئلة طويلة بلا إجابات!
الحيرة تمتلك الإنسان حينما يرى أن خيرات بلاده تنهب دون رقيب ولا حسيب، وأن بين السرّاق من يقولون نحن نحارب الفساد!
إن شماعة الإرهاب ستنتهي في العراق يوماً ما، وحينها كيف سيبرّر الفاسدون سرقاتهم، فاليوم كل السرقات تبرّر بالحرب على الإرهاب، وأظن أن إرهاب الفساد المالي ينحر العراقيين تمامًا كما ينحرهم الفلتان الأمني والإرهاب الرسمي والمليشيات الخارجة عن القانون!
المسؤول السارق ينبغي أن ينال عقوبة اشد من السارق العادي لأن الأول استغل وظيفته الرسمية لتأطير سرقته بإطار قانوني، وهذه خيانة تدخل فيها كافة صور الجريمة المركبة من تزوير واستغلال منصب وتحايل وخداع الجماهير وغيرها من صور الإجرام.
لا يمكن القضاء على الفساد بعقوبات "رمزية" لحيتان الخراب في الوطن، ولهذا لن يُقضى على الفساد المالي الواسع الانتشار إلا باعتباره جريمة من الجرائم المُخلة بالشرف وخيانة للوطن، وجريمة إرهابية يستحق مرتكبوها اشد العقوبات، وإلا فستبقى سوسة الفساد تنخر الجسد العراقي، ولن تقوم للعراق قائمة!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى