مخططات خفية!


قبل عيد الفطر بيومين، وبعد أن أشعلت جريمة الكرادة الإرهابية مشاعر العراقيين كافة، سمعنا العديد من زعماء المليشيات الرسمية وغير الرسمية يطلقون تصريحات تحذيرية، وأخرى -وهي الأغلبية- تهديدية، للأطراف "المتهمة بالخراب الأمني" في البيت العراقي.
أحد زعماء المليشيات حذر من فتنة -لم يُحدد صفتها- في مرحلة ما بعد العيد. وآخر أكد على ضرورة إشراك "الحشد الشعبي" في حماية المواطنين في بغداد، بعد أن عجزت الأجهزة الأمنية عن حمايتهم. وثالث طالب بتطهير مناطق محيط بغداد من الإرهاب. ورابع هدد باقتحام سجن الناصرية المركزي وإعدام عشرات المعتقلين، على أن تتم عمليات الإعدام في الكرادة. وهكذا استمرت التصريحات التحريضية، وكأنهم يريدون أن يصبوا الزيت على النار، في وقت كان الشارع العراقي ملتهباً؛ فكأنهم يريدون ركوب الموجة والضرب على الحديد وهو حار. وهذا أسلوب يراد به إحداث فتن طائفية بين العراقيين، وتحقيق مكاسب سياسية، وأهداف استراتيجية.
هنا يبرز سؤال مهم: ما هي الغايات البعيدة لتصريحات زعماء المليشيات أولئك؟ وبقراءة متأنية لتلك التصريحات، يمكن أن ننظر لها على النحو الآتي:
- بداية نسأل: منْ المؤهل أو القادر على إثارة الفتنة في الشارع العراقي؟ لا شك أن من يمتلك خيوط تحريك الأطراف الفاعلة أو المسلحة في البلاد هو القادر على افتعال أي أزمة، ربما تكون سبباً لفتنة طائفية أو مذهبية بين المواطنين. ولا أظن أن هناك قوة عراقية أكبر من "الحشد الشعبي" تمتلك غالبية تلك الخيوط التدميرية.
- إن الدعوة لقيام "الحشد" بحماية المدنيين في بغداد هو جزء من المؤامرة، وذلك لأن أصحاب هذه الدعوة يريدون بهذه المهمة استمرار بقاء "الحشد" في المشهد العراقي، لأن مهمته -كما قالوا- هي حماية المقدسات. واليوم أعتقد أن "داعش" بعيد عن المقدسات، ما يعني أن حجج قيام "الحشد الشعبي" قد انتهت، وهذا يتطلب من الجميع التكاتف لإنهاء هذه الغدة السرطانية المستشرية في الجسد العراقي.
هنا ينبغي التأكيد على أن الدعوة لقيام "الحشد" بحماية المدنيين فيها تصريح مهم، يشير بوضوح إلى أن وزارتي الداخلية والدفاع هما وزارتان فاشلتان. ولا نريد أن نعمم ونقول إن الحكومة بأكملها عاجزة، حتى لا يقال إننا نتهجم، بل سنكتفي بتصريحات زعماء المليشيات!
- الدعوة لتطهير مناطق حزام بغداد تعني إعطاء الضوء الأخضر للمليشيات لضرب أهالي تلك المناطق بحجة "الإرهاب"، لأن "الإرهاب المزعوم" ليس له صورة واضحة المعالم في الشارع العراقي. وبالتالي، سيكون جميع أبناء هذه المناطق في خانة الاتهام. وهذا ظلم وتعسف سيقودان لقتل واعتقال وتهجير أبناء تلك المدن. وبالمحصلة، سنجد أنفسنا أمام عملية تغيير ديموغرافي طالما حذرنا من تداعياتها. لكن يبدو أنها جزء من مخططات خفية يُراد بها تدمير بنية المجتمع الوطني.
- إن الدعوة لإعدام سجناء سجن الناصرية -الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام، ولم تكتسب بعد الدرجة القطعية- تؤكد حقيقة مهمة، هي انهيار الدولة وانعدام وجودها، وأنها اليوم في أضعف حالاتها، وإلا فإن الدول المعتبرة هي القادرة على تنفيذ أحكام الإعدام بمن يستحقونها في التوقيت الذي تراه مناسباً، ولا يمكن لأي أحد أن يُملي عليها تلك التوقيتات. إلا أن الحال في العراق تبدو مختلفة، والمليشيات هي المتسيدة، والمتحكمة بالملف الأمني وغيره. ولهذا لا ندري من الذي يقود الدولة؛ هل هي المليشيات أم حكومة حيدر العبادي؟!
العقلاء يعرفون أن المليشيات هي اللاعب الأبرز في الساحة العراقية. ولا أعتقد أن الدول المعتبرة تُبنى بمجاميع مليشياوية، بل بمؤسسات عسكرية وأمنية تأتمر بأوامر مركزية، وولاؤها الأول والأخير للوطن. ولهذا نقول: أين الجيش العراقي، وما هي واجباته إذا كانت المليشيات هي المسيطرة على مجمل موازين القوى في البلاد؟!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!

من ذكريات معركة الفلوجة الاولى