السياسة والحياة!



صارت السياسة اليوم في حياة الناس مثل الهواء والخبز والماء، لأنه بالسياسة الصحيحة تُتخذ القرارات الحكيمة؛ وبالسياسة الخاطئة تُتخذ القرارات السقيمة. وبالمحصلة، تُؤثر تلك السياسات الحكيمة والسقيمة على جوانب الحياة كافة؛ الاقتصادية والأمنية والخدمية والثقافية، وحتى الاجتماعية.
السياسة الصحيحة يُنفذها الرجال الصادقون الساهرون الحريصون، بل والمستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل خدمة أهلهم، لأن من يظن أن المنصب السياسي هو مغنم فهذا مخطئ وواهم، فالعمل السياسي تضحية ورجولة وتعب وتفان وإخلاص، وليس مغنماً إلا عند ضعاف النفوس والمواقف. وفي الوقت ذاته، مخطئ وواهم من يظن أن السياسة هي فن بلا أخلاق؛ لو كانت كذلك لما رأينا اليوم في عالمنا أنظمة وقوانين ومواثيق ومعاهدات دولية وإقليمية، وهذه جميعها بحاجة لأخلاق مهنية وإنسانية -قبل الشجاعة- حتى تُطبق على أرض الواقع.
العراق بعد العام 2003، مرّ بعدة مراحل تدميرية، ابتداءً بالاحتلال الأميركي وانتهاءً بتدمير البلاد الجاري اليوم على قدم وساق، في المحافظات الغربية والشمالية والشرقية، بحجة مكافحة الإرهاب. لكن أظن أن العملية السياسية الهزيلة كانت واحدة من أهم أسباب تدمير العراق، لأنها شرعنت للاحتلال، وما تزال تدعم الظلم والتدمير والخراب الرسمي.
بعد أن رُتبت تلك العملية السياسية من قبل الاحتلال الأميركي في العام 2003، شارك فيها منْ أكدوا أنهم سيدخلون الانتخابات لتخفيف الأذى والظلم عن أهلهم. وكم كنا نتمنى أن يحصل ذلك، إلا أنه -وبعد عدة سنوات- اكتشفنا ضعف غالبيتهم، بل ومساهمتهم في تنفيذ مخططات مؤذية ضد أهلهم!
كانت مجمل العملية السياسية وبالاً على غالبية العراقيين، الذين تأكدوا أنهم لم يزدادوا من العمل السياسي الضعيف إلا تهميشاً وتضعيفاً وتغريباً، بل إن غالبية هؤلاء الساسة كانوا عوناً للمجرمين على تدمير مدن أهلهم، وسنداً للقتلة على ممارسة الإجرام بحق أبناء مدنهم، وكل ذلك يعتبرونه "سياسة"، لكن أي سياسة؟!
السياسة العراقية الحالية علمتنا أن غالبية السياسيين يفهمون السياسة على أنها خضوع وخنوع للطرف الشريك أو الأقوى أو الأبرز في السلطة. وهذا الفهم -بحد ذاته- قاتل ويقود لنتائج سلبية، لأن السياسي الخنوع سيتسبب بالآتي:
- عدم احترام شركائه له لأن الأقوياء لا يحترمون الضعفاء، وبالنتيجة عدم احترام من يمثلهم.
- الأداء الضعيف سيؤدي لضياع حقوق من يمثلهم، بل سيشارك هذا السياسي الضعيف في شرعنة قضم حقوق ومكتسبات قانونية لمن يُمثلهم. 
- المساهمة الفعلية القانونية والدستورية في التأسيس لمرحلة عرجاء، ستؤثر قراراتها غير المتوازنة على مستقبل من يمثلهم لأن الشريك الضعيف سينقل صورة مشوهة للداخل والخارج عن حقيقة ما يجري في الواقع السياسي والميداني. 
- مساهمة السياسي الضعيف في كسر روح التغيير والتطوير لدى الجماهير، لأن السياسي الخنوع سيؤثر سلباً في فكر الجماهير وطموحاتها. 
السياسة البعيدة عن الرجولة والعقلانية هي أداة تدمير للأمة، لأن الضعف والخنوع والهزيمة السياسية ليست من صفات القيادات الناجحة، التي تمتاز بالقوة والصمود والثبات على الحقوق القانونية والدستورية.
العراق لن يتغير نحو الأفضل إلا بقيادات وطنية شجاعة قادرة على زرع الأمل في نفوس الجماهير، وتحصيل حقوقها المنهوبة، وإعادة الهيبة للعراق في عيون أبنائه وأنظار المجتمع الدولي.


واقع الحال السياسي مرير، وينبغي أن يتغير بثورة شعبية سلمية، قائمة على سياسة جريئة تبني البلاد، وتحترم حياة الإنسان وكرامته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقيّون وكِذْبَات نيسان والتناحر المُرتقب!

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

حكاية منظّمات المجتمع المدنيّ العراقيّة!